كان يفترض ببلدية بيروت، أقله في زمن الانتفاضة، الالتفات الى مطالب الناس وأولوياتهم. مطالب لا تختلف عن وعود رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني عقب فوز لائحته بالانتخابات البلدية منذ ثلاث سنوات ونصف سنة: مترو، حافلات للشوارع الداخلية تعمل على البطارية، خط خاص للحافلات السريعة، حدائق، أشجار، معالجة النفايات عبر التفكك الحراري، عاصمة صديقة للبيئة، طرقات آمنة، شاطئ عام، حرج بيروت، ملاعب، زيادة المساحات الخضراء، كهرباء 24 على 24، شرطة بلدية. لكن، عيتاني، الذي أسقط كل هذه المشاريع المُسهِلة لحياة البيارتة من جدول أعمال جلساته، ارتأى اليوم أن ما يحتاج إليه البيارتة هو 20 ألف حصة غذائية على شكل «إعاشات» مذيلة بشعار بلدية بيروت! لم تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل قرر الريّس ومجلسه، قبض عائدات عمل خيري مماثل، عبر حصر المستفيدين من الحصص الغذائية بالناخبين في بيروت، أي من ينتخبون في العاصمة. وذلك للاستفادة من أصواتهم الانتخابية، علماً بأن جزءاً كبيراً من هؤلاء لم يعد يسكن في العاصمة، وبأن دافعي الضرائب في بيروت هم الساكنون فيها، وتقوم وظيفة البلدية على خدمتهم من دون التمييز بين السكان والناخبين. لكن ما سيحصل فعلياً، هو أن البلدية ستتاجر بأوجاع الناس وحاجاتهم. وعلى سبيل المثال، عائلتان تسكنان في المبنى نفسه وفي الحي نفسه وتخضعان للظروف الاجتماعية عينها، إحداهما تنتخب في بيروت والأخرى في الشمال؛ ستحظى الأولى بكرتونة إعاشة من بلدية بيروت المحسوبة على تيار المستقبل، في حين أن العائلة الثانية التي تدفع الرسوم البلدية وكل ما يتوجب عليها، مثلها مثل البيارتة القاطنين في العاصمة، لن تستفيد من هذه المساعدات الاجتماعية لأنها بكل بساطة ليست رقماً انتخابياً يُجيّر الى صندوق التيار الأزرق.اللجنة التي عيّنها المجلس البلدي بغياب 11 عضواً حددت مهماتها بـ«القيام باستقصاء أسعار أو استدراج عروض وفقاً لما يسمح به القانون، لتقديم مساعدات عينية عبارة عن مواد غذائية للمحتاجين من أهالي بيروت». «الأخبار» اتصلت برئيس اللجنة عبد الله درويش، وسألته عن طريقة توزيع هذه الحصص، والمعايير المحددة للمستفيدين منها، وهل حقاً تشمل فقط من يحملون سجل بيروت على بطاقاتهم؟ فأشار الى أن اللجنة المكلفة تقوم بالتحضيرات اللازمة لتوضيح كل هذه الأسئلة ولكن لن تنهي العمل بها قبل يوم الثلاثاء، ورجح أن تكون آلية التوزيع إما عبر الجمعيات أو المخاتير أو بشكل فردي. وعند الانتهاء من وضع كل التفاصيل، يفترض أن تُعرض الخطة على محافظ بيروت ليبدي رأيه بها قبل اتخاذ قرار فيها. درويش أكد من جهة أخرى أن الحصص الغذائية ستُوزّع فقط على المُسجّلين في بيروت، رغم أن الخطة تضمنت عبارة «أهالي بيروت»، على ما يقول. وعلمت «الأخبار» أن فكرة تقديم مساعدات غذائية أتت بعدما أبدى ديوان المحاسبة تحفظاً على قرارات بلدية بيروت بتقديم مساعدات مالية الى بعض الجمعيات، وهو عمل روتيني سنوي يقوم به المجلس عبر صرف مبالغ مالية لمصلحة بعض الأفراد والجمعيات. وجرت العادة منذ عشرات السنوات على صرف «التنفيعات» بالطريقة عينها، لكن ما تغيّر اليوم هو تسلّم رئيس الهيئة العليا للتأديب السابق القاضي مروان عبود الغرفة التي تنظر في ملفات بلدية بيروت. لذلك، يسعى المجلس الى الالتفاف على إجراء القاضي عبود لإمرار «التنفيعات» بطريقة أخرى وتحت عنوان «كراتين مواد غذائية للمحتاجين».
يتم التداول بلائحتَي أسعار من متجرين كبيرين في بيروت قبل إجراء استدراج العروض

وإحدى وسائل التوزيع يمكن أن تكون عبر هذه الجمعيات، فيما يتم التداول بلائحتي أسعار لكيلو الأرز والسكر والشاي والفاصوليا والملح والعدس وغيرها، تمّ الاستحصال عليها مسبقاً من متجرين كبيرين في بيروت، وهما خاطر وسنّو، وأن عملية «استدراج العروض من قبل شركات تعنى بالغذاء، مجرّد ترتيب وقائي لادّعاء الشفافية في طريقة الاختيار»، تقول مصادر بلدية. على أن كلفة هذا المشروع ستلامس النصف مليون دولار، وفق ما صرحت عنه المصادر، تضاف الى ملايين الدولارات المهدورة على مدى السنوات السابقة من المال العام. النقطة الأساسية اليوم، أن البلدية التي كان من المفترض أن تجري مراجعة شاملة لطريقة عملها وتسارع الى تنفيذ المشاريع المفيدة للعاصمة، ازدادت وقاحة في هدرها لأموال البيارتة ووصلت اليوم الى حدّ عقد الصفقات فوق جوع المواطنين. والسؤال الرئيسي هنا: هل باتت بلدية بيروت حزباً أو مؤسسة يديرها تيار المستقبل ويستخدمها لإدارة حملته الانتخابية واجتذاب الأصوات؟