بعد 15 يوماً من افتراش الرصيف الوسطي قبالة مبنى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بيروت، فضّ لاجئون أفارقة ليل أمس اعتصامهم السلمي المفتوح الذي يضاف إلى سلسلة سابقة من الاعتصامات على أبواب المنظّمة الدولية، بلا نتائج ملموسة. وضّبوا أمتعتهم، وأمسكوا بأيدي أطفالهم وغادروا. غالبيّة المعتصمين من السودان، إلى جانب آخرين من الصومال ومالي وإريتريا وإثيوبيا.أسبوعان من الاعتصام المفتوح لم يحظوا فيهما بلقاء أي مسؤول في المفوضيّة، قبل أن يحضر بعد ظهر أمس مدير خدمات الحماية في المفوضية، مع تعزيزات من شرطة بلدية بيروت التي أوشكت على اعتقال منسق لجنة اللاجئين السودانيين يحيى إسماعيل، لولا وجود «الأخبار» وناشطين من المجتمع المدني لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة. دارت مفاوضات، على الرصيف، بين يحيى ومدير الحماية الذي لم يشأ التحدث بصفة رسمية، وطالب بلقاء يحيى منفرداً بعيداً من الناشطين، وهو ما كان، (ومن عدسة الزميل مروان طحطح). بعد اللقاء خرج يحيى معلناً فضّ الاعتصام، بناءً على وعود بـ«مباشرة المفوضية صباح غد (اليوم) درس الملفات وبتّها تباعاً».
هذه الوعود تضاف إلى وعود منحتها المفوضية على مدى سنوات للاجئين الأفارقة في لبنان، وخصوصاً السودانيين، بالحصول على توطين في بلد ثالث بعد محطّتهم في لبنان كبلد لجوء. بعضهم ينتظر في هذه «المحطة» منذ عشرين عاماً، على أمل الحصول على توطين في كندا مثلاً، أو في بلد أوروبي. غير أن موجة التضييق على اللاجئين الأفارقة في أوروبا انعكست على ملفاتهم في لبنان. «يفوق عدد اللاجئين الـ 1400، بينهم 230 حصلوا على طلب لجوء، و270 لم يُبَتّ بملفاتهم، و800 ملفاتهم مقفلة»، وفق أحد أعضاء لجنة اللاجئين. وهذا العدد ليس رسمياً، بل يشمل من يقدمون ملفاتهم للجنة، «أما عدد من استطاعوا السفر إلى بلد ثالث، فيقارب 500 سوداني فقط»، بحسب المصدر نفسه.
يتحدث المعتصمون عن أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذين يعبرون أبواب المفوضيّة أمامهم منذ سنوات، فيما مرّ على وجود بعضهم في لبنان نحو 20 عاماً من دون أن يحصلوا على موافقة على التوطين في بلد ثالث. تقول إحدى اللاجئات السودانيات: «15 عاماً قضيتها في لبنان، لدي 3 أطفال، جئت من إقليم كردفان، أملك وعائلتي طلبات اللجوء، لكننا ننتظر الموافقة على توطيننا في بلد آخر... ننام على الرصيف منذ أسبوعين وطُولِبنا مراراً بإزالة أغراضنا والابتعاد، لذلك انتقلنا إلى الجهة المقابلة ووقفنا في باحة المبنى السكني... لكن ذلك أيضاً لم يعجبهم، من حقّنا أن نسأل الأمم عن مصيرنا». منذ 4 سنوات، هربت «مروة» (الأسماء استُبدِلَت بطلب من اللاجئين) إلى لبنان، «بعد اعتقالي في السودان، إثر مظاهرات الطلاب التي شاركت فيها في جامعتي في الخرطوم، ومع ذلك رُفض طلب لجوئي لأسباب غير مقنعة. لم يفتحوا لي ملفاً، بحجة أنني أملك جواز سفري السوداني». تستطرد شارحةً وضع ابنها المصاب بالربو، وهو الذي لا يحصل بدوره على المساعدة: «دفعت أموالاً للخروج من بلدي، وجوازي ليس حجة لعدم منحي صفة اللجوء، إذ لا يمكنني العودة».
دوافع السودانيين للجوء إلى لبنان مختلفة، أبرزها المشاكل مع الأمن والاعتقالات وليس آخرها ملاحقات القبائل. هذا المشهد لم يتغيّر بالنسبة إليهم، رغم تغيّر المشهد السياسي في السودان أخيراً، «الدولة الأمنية لا تزال قائمة». «رامي» من وادي حلفا (شمال السودان)، عانى من قضيّة ثأر القبائل، «هربت إلى قطر ثم إلى سوريا وانتقلت على القدمين إلى لبنان، ومنذ 10 سنوات لم أحصل على موافقة على طلب لجوئي. كلّما قدمت استئنافاً يرفضونه، بحجة أنه يمكنني الانتقال للعيش في منطقة أخرى في السودان. غير أن تهديدات القبائل لم تتوقّف، وما زلت خائفاً من مطاردتهم لي. منذ 10 سنوات لم أرَ والديَّ اللذين يتصلان بي وهما يبكيان، لكنهما يحذرانني من العودة، لأنني وحيدهما. لا يمكنني العيش هنا، ولا العمل لعدم حيازتي إجازة عمل. ما بدي أموت!». في الاعتصام رجال تعرّضوا لاعتقالات سابقة من الأمن العام، وبعضهم واجه الترحيل تحت الخطر قبل تدخّل بعض المنظّمات. أحدهم يقول: «سجنت سابقاً لمدة 11 شهراً لدى الأمن العام. خزّنت معلوماتي للتوطين في بلد ثالث، لكن الجواب جاءني أخيراً بالرفض».
معاناة اللاجئين الأفارقة تنسحب على النساء اللواتي يعانين من الطلاق وتربية أطفالهن المفقودي الأب. «جنوى» من إثيوبيا تعرّفت إلى زوجها السوداني، «جئت إلى لبنان للعيش معه ولأنه مسلم رفض أهلي عودتي إليهم. أصبحت عالقة هنا مع ولدي». ابن جنوى يكاد يبلغ سنواته الثلاث، يمسك ثوبها، يبتسم ويتمتم بأنّه يتمنّى العودة إلى إثيوبيا، بلد أمه للقاء جديه. خرجت «فاطمة» بسبب أحداث إقليم دارفور، تعرّفت إلى زوجها في أحد المعسكرات هناك، ثم انتقلت إلى لبنان معه... «منذ 8 سنوات أنتظر صفة اللجوء مع ولدي، زوجي وحده قادر على العمل في لبنان».