أكثر من 15 سيدة لم تستطعن الحضور «خوفاً من ردود فعل المحاكم في قضاياهنّ» كما سُمع عبر مكبّر الصوت. عبره أيضاً، انطلقت أصوات بعضهنّ بتسجيلات مسبقة، أو بشكل مباشر، لكن من خلف المنصة وبعيداً عن الكاميرات. أصوات تردّدت في الساحة بلا وجوه ظاهرة إنّما بقصص مؤلمة، فيما غابت عن الوقفة - لا خجلاً - وجوه المشرّعين من النواب المتقاعسين عن إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يحمي النساء من كلّ ما يقترف بحقهنّ وبحقّ أولادهنّ.عشرات النساء حملن لافتات غضبٍ وثورة، وحضرن إلى الوقفة الاحتجاجية أمس، في ساحة الشهداء وسط بيروت، رفضاً لقوانين الأحوال الشخصية الطائفية التمييزية. الوقفة نظّمها التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني (RDFL)، بعنوان «إحذروا غضب النساء!»، من أجل «المطالبة بكف يد الطوائف عن حياتهنّ وشؤونهنّ الخاصة وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يكرّس المساواة التامة ويحميهنّ من عنف المحاكم الدينيّة». الغضب والاحتجاج اقتصرا على عنوان الوقفة أكثر مما تُرجما على الأرض وبين الحضور... وحدها أصوات النساء الشاهدات والمتحدّثات عكستهما.

عشرات النساء حضرن إلى الوقفة الاحتجاجية في ساحة الشهداء أمس(مروان طحطح)

لم تنقص الجرأة بعض اللواتي صعدن إلى المنصّة لرواية معاناتهنّ مع المحاكم الدينية. إحداهنّ أعلنت تحدّيها لزوجها الذي خطف ابنها «لأن عندو ضهر سياسي»، وقالت «رجعت خطفت ابني وتحدّيت، المرأة كرمال أولادها مستعدّة تموت!». إلى جانبها وقف ابنها بسنواته التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، حاملاً لافتة كتب عليها «إذا حبّي لإبني جريمة أعترف وأفتخر بجريمتي». كذلك، أطلقت «زوجة ديبلوماسي في اليونيفيل» صرخة ضدّ الحصانة التي يتمتّع بها وتهديده لها بالتشهير بها. تعدّدت روايات النساء باختلاف مذاهبهنّ حول الضغوط التي يتعرّضن لها من الزوج والقضاة الروحيّين والشرعيين لناحية الحضانة والنفقة والإرث والحقّ بالمشاهدة والمماطلة في الطلاق... وسواها. كذلك، تعدّدت الهتافات: «محاكمنا الدينيّة، قوانينا تمييزية»، «ثورة ثورة نسوية، عالمحاكم الدينيّة»، «قانون مدني يحميني، مش فتاوى تمشّيني»، «دموع الإم والولاد ما بتحرّك عمامات»، «يسقط ظلمك يا محاكم»، «حقوق المرأة نسيتوها وللطوايف بعتوها».
غاب النواب المتقاعسون عن إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية


«إحذروا غضب النساء، إحذروا ثورة النساء»، هكذا استهلّت رئيسة التجمع ليلى مروة كلمتها، بحضور رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون روكز. وقالت مروّة: «لا يهمّ لأي مذهب انتميتِ، فنحن كنساء ولمجرّد أننا نساء، سواسية تحت مطرقة العنف والتمييز وسندان الذكورية والبطريركية. وكأنه محكوم علينا أن نبقى في كل ما يتعلّق بحياتنا وشؤوننا الخاصة من زواج وطلاق وحضانة ونفقة وإرث وغير ذلك، تحت رحمة رجال دين وقوانين أحوال شخصيّة طائفيّة تمييزيّة تتحكم بمفاصل حياتنا وحياة أطفالنا في ظل تخلّي الدولة عن واجب حمايتنا وضمان حقوقنا». أمثلة تقاعس الدولة عديدة: «تزويج القاصرات المباح باسم الدين من دون نقاش جدي لقانون تحديد سن الزواج بثماني عشرة سنة الذي تقدّم به التجمّع منذ أكثر من 3 سنوات ولا يزال مرمياً في أدراج لجنة الإدارة والعدل النيابية»، إضافة إلى اقتراحات القوانين المهملة بما يخصّ «التحرش في مكان العمل وحقّ النساء بالمواطنة الكاملة ومنح الجنسية لأسرهنّ». وأضافت مروّة «أعادت قضية غدير الموسوي فتح النقاش حول ظلم وإجحاف المحاكم الجعفرية بحق النساء، وخاصة في الحضانة، لكن هذا لا يعني أننا نسينا مئات النساء اللواتي سبقنها إلى درب الجلجلة وصُلبن وأولادهنّ على مذبح أبويّة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية الـ15 وعنفها في لبنان». وختمت «لن نسمح بأن تكون قضية الأحوال الشخصية مجرّد هبّة اعتراضية من حين إلى آخر، بل سنعمل على توحيد الجهود وبناء تحالف ضاغط وفاعل لمتابعة الضغط والنضال».