عملت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أخيراً، على تعزيل حوض انان من الاعشاب المائية والبلوم الكثيف الذي يعيق جريان المياه نحو المحطة الكهرومائية (بولس ارقش) وريّ الاراضي في نطاق وادي بسري. وقد بينت دراسة لعيّنات من المياه والنباتات أُخذت من البحيرة وجود نوع منها ينتمي الى النباتات الزهرية العليا Angiosperm يعرف بـ «عدس المياه». وجود هذا النوع من النباتات الزهرية يعتبر ظاهرة طبيعية في المستنقعات المشبعة بالمواد الملوثة كالنيترات والفوسفات والمعادن الثقيلة. ولكن ما هي مضارّه وفوائده؟بيّنت دراسة بيولوجية للاحياء الموجودة في بركة أنان وجود نوع واحد فقط من «عدس الماء» (الاسم العلمي Lemna minor وبالفرنسية lentille d’eau). فيما خلت من الطحالب او السيانوبكتيريا المسمّة الموجودة بكثافة في بحيرة القرعون، حيث قضت على الحياة البيئية فيها. علماً أن مياه البركة، في هذا الوقت من العام، مياه متجددة، فيما كانت السنة الحالية مطرية بامتياز. لذلك، ينبغي لمزيد من الدقة، متابعة الدورة السنوية المتكاملة. وإلى بركة أنان، ينمو «عدس الماء» في بحيرة اليمونة أيضاً.
يتكاثر «عدس الماء» بسرعة وخلال وقت قصير، وهو الأسرع نمواً بين النباتات المزهرة في العالم. ويمكنه أن يغطي كامل سطح الماء ويحوّل المسطّحات المائية إلى ما يشبه مرجاً أخضر. وبعدما كان يعتبر سابقاً من الأعشاب الضارة، أصبح اليوم من النباتات المفيدة، إذ أنه غذاء للطيور والاسماك. وبالنسبة الى العديد من الخبراء، يُعد مصدراً للطاقة الخضراء. والمميز في هذه النباتات أنها منتج للوقود الحيوي biodisel بطريقة صديقة للبيئة، ومن دون حاجة إلى الأراضي الزراعية.
يميز علماء النبات بين 37 نوعاً ضمن عائلة عدس الماء. ويؤكد عالم الأحياء كلاوس أبينروت، الذي يبحث في هذا المجال منذ 35 عاما في جامعة فريدريش شيلر الألمانية، أن تجاربه المخبرية أثبتت أن غراماً واحدا من هذا النبات، في ظل ظروف مثالية، ينتج 20 غراماً خلال سبعة أيام، لافتاً إلى انه «أمر يكاد يكون مستحيلا مع نباتات أخرى». وتتميز هذه النبتة بأنها تضاعف نفسها كل 30 ساعة تقريبا. ويؤكد العلماء أنه لو كانت هذه النبتة تنمو على غير الماء لكانت غطّت الكرة الأرضية تماماً خلال أربعة أشهر فقط.
هذه القدرة الهائلة على التكاثر جعلت «عدس الماء» مثيرا للاهتمام، ليس بالنسبة لعلماء النبات فقط. وإنما أيضاً لإمكان أن يغطّي جزءاً من احتياجات الطاقة في العالم. إذ تحتوي هذه النبتة على الكثير من النشاء الذي يعتبر مادة أساسية لإنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول. ويوضح أبينروت أن تحلّل النشاء يحوّله إلى سكر يمكن تخميره ليتحول إلى إيثانول. إلى ذلك، يمكن زيادة محتوى النشاء في هذه النبتة بوضعها بعد قطفها في مياه فقيرة بالمواد الغذائية، إذ يتوقف العدس عن النمو. أما السكر الذي ينتج عن عملية التركيب الضوئي فيتم تخزينه على شكل نشاء. بعدها يُجفّف العدس ثم يطحن ويخلط مع أنزيمات.
ولهذه النبتة فائدة أخرى. إذ أنها تنظف المياه بطريقة طبيعية وغير معقدة بسبب قدرتها على امتصاص النيتروجين والفوسفات اللذين يشكلان أهم مصادر التلوث، باستثناء المياه المشبعة بالسموم التي تفرزها السيانوبكتيريا والمعادن الثقيلة كما هي حال بحيرة القرعون. كما أن هناك امكانية للاستفادة من الكتلة الحيوية عند جرف البلوم وتجفيفه ومن ثم استخدامه كسماد طبيعي.
كان عدس الماء، لعقود عدة (خصوصاً في أوروبا)، يعتبر من الأعشاب الضارة، وكان الاهتمام ينصبّ على كيفية التخلص منه في البحيرات. إلا أن ذلك تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ بات يلقى اهتماماً خاصاً من الجامعات ومراكز الأبحاث كنوع من الزراعة الواعدة. وتعتبر الصين، اليوم، أكثر الدول تطورا في إجراء تجارب فعلية لزراعته بكميات كبيرة. ويمكن، في المناطق الأكثر دفئاً، زراعة عدس الماء على مدار العام، ما يجعله زراعة اقتصادية للغاية. وفي ألمانيا، الباردة نوعا ما، باتت هناك إمكانية أيضاً لزراعته على مدار العام.
وتؤكد الأبحاث العلمية أن بعض أنواع عدس الماء الآسيوية قد يكون لها مستقبل عالمي كمصدر للبروتين في التغذية البشرية. اذ تحتوي على 30 - 50% من البروتين وعلى منافع طبية واستشفائية لاحتوائها على فيتامينات متعددة ومعادن كالحديد والزنك، إضافة إلى احماض اوميغا 3 الدهنية المفيدة. ويبحث علماء التغذية في جامعة «ينا» إلى جانب زملاء في أماكن أخرى في ألمانيا، وفي جامعات هندية أيضا، ما إذا كان يتعين على بقية العالم الانتباه على نحو أكبر للأنواع المختلفة من عدس الماء، والى الإمكانيات المحتملة التي يحتوي عليها كمصدر للغذاء الإنساني. إذ يؤكد العلماء إن محتواه من البروتين يضارع البروتين الموجود في الترمس وبذور اللفت،والبازلاء.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية