كما في كل عام، يفترض أن يبدأ الآن «موسم» حرائق الغابات في لبنان. المعادلة بسيطة وواضحة: مع بداية جفاف الأعشاب والأغصان وزيادة درجات الحرارة، في مثل هذه الايام، يصبح كل ما هو يباس عرضة للاحتراق. واذا أضفنا الى الاسباب الطبيعية للحرائق، ضعف الإطار التشريعي والتنظيمي، وإهمال تنظيف جوانب الطرق، والحرائق المفتعلة التي تهدف الى تغيير اتجاهات استخدام الأراضي، من حرجية الى زراعية او بهدف البناء او إنشاء مشاريع تخريبية تصنف «سياحية»... تصبح المعادلة أوضح.رغم ذلك، فإن شيئاً لم يحصل. ولا نزال - سنة بعد أخرى - نتكبد الخسائر ونحصد مزيداً من التراجع في مساحات الغابات.
صحيح انه باتت لدينا، منذ عام 2009، «استراتيجية وطنية» لادارة حرائق الغابات، جاءت بعدما ضربت لبنان عام 2007 حرائق استثنائية قدرت خسائرها بنحو عشرة ملايين دولار. الا أن بنود هذه الاستراتيجية ومتطلّباتها لم تُطبّق حتى الان. وصحيح أن الاستراتيجية لم تشمل كل المشكلات التي تهدد الاحراج (وهو توصيف أدق من «الغابات» في حالة لبنان)، كعدم ربطها بالمخطط التوجيهي لترتيب الأراضي، وعدم ضبط القطاعات المهددة لامتدادات الاحراج كشق الطرق وتوسيعها باستمرار وعدم معالجة ردمياتها وزيادة عوامل الاستثمار ومشاريع ما يسمى الاستثمار والاعمار والسياحة… إلا أن أحدا لم يلتزم بجانب جزئي من هذه الاستراتيجية، وهو المتعلّق بحماية الاحراج من الحرائق.
بيّنت الاستراتيجية أن هناك حاجة لتحديث قانون الغابات الصادر عام 1949 وقانون العام 1991. إذ لا نزال نعاني من تعدّد المسؤوليات وتضارب الصلاحيات بين جهات وإدارات ووزارات عدة مثل البيئة والزراعة والداخلية (والدفاع المدني) والبلديات ومجلس الانماء والاعمار… ولم تستطع اي استراتيجية وخطط وقوانين أن تنظّم هذه العلاقة وتحدّد المسؤوليات، خصوصا في الجوانب الاسهل والاكثر اهمية، لناحية تطبيق «مبدأ الوقاية» وتجنب الحرائق قبل حصولها، والتي لا يعود ينفع معها تشكيل وحدة «ادارة الكوارث» بعد وقوعها!
وقد أظهرت التجارب أن مبدأ الوقاية لم يحترم أثناء تناول هذا الموضوع الخطير على المستوى الرسمي… خصوصاً عندما أبرمت صفقات لشراء طائرات لإطفاء حرائق الغابات، بدل تطبيق اهم مبدأ للوقاية، وهو أن «الحريق اذا ما عرف في بدايته سهلت السيطرة عليه». هذا المبدأ كان يتطلب توظيف مراقبي احراج او «نواطير» او عمال بلديات، لمراقبة الاحراج في فصل الجفاف والحرائق وفي الأماكن المصنفة حساسة. وملايين الدولارات التي أُنفقت على شراء الطائرات (غير النافعة بعد ساعة من بداية أي حريق)، كانت كافية لتأمين وظائف لآلاف الطلاب الجامعيين الذين يقومون بمهمة المراقبة… كون الحريق في بدايته قد يحتاج الى ضربة غصن شجرة او دلو ماء. أما بعد ساعة، فقد لا تنفع معه سيارات الدفاع المدني ولا اسطول من الطائرات... اذا كانت صالحة للعمل!
لا إحصاءات دقيقة حول المساحات التي تلتهمها النيران كل عام. علماً أن الحرائق هي المسبّب الأول لتراجع المساحات الخضراء (مع المناطق المصنفة محمية) من 30% الى 6 او 7% من مساحة لبنان. كما تؤكد التقارير انه لم يجر، في أي مرة، توقيف مفتعل حريق رغم تأكيدات المعنيين بأن معظم حرائق الاحراج مفتعلة وليست طبيعية. والباقي ناجم عن الإهمال الرسمي والبلدي والشعبي.
في ظل هذا الإهمال الحكومي المتمادي سنة بعد اخرى لوضع المبادئ والاسس والخطط الضرورية لمعالجة هذا الملف، تخشى مصادر بيئية أن يكون هذا الصيف حارقاً جداً مع التوقعات بأن تسجل درجات الحرارة أرقاما قياسية، اسوة بالأرقام التي سجلت العام الماضي في الولايات المتحدة وتسببت بحرائق ضخمة في كاليفورنيا، وبدرجات الحرارة الاستثنائية التي ضربت أوروبا مؤخرا. وإذا ما أضيف ذلك الى الاهمال الرسمي والبلدي والشعبي المتمادي… فالأرجح أننا سنكون أمام سيناريو بالغ الخطورة هذا الصيف، يتطلب استنفاراً بلدياً (في غياب الحكومة) لزيادة الإجراءات الوقائية مثل التقشيش والتشحيل قرب الطرق والمراقبة المسبقة والتدخل السريع.