لا يكفي، فقط، أن تُستعاد السردية نفسها عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة عندما يجري الحديث عن اللاجئين. ثمة سردية أصعب من تلك تتعلق بحياة هؤلاء… الصحية. هذا الشق هو الأسوأ في حياة اللاجئين الذين بالكاد يحصّلون لقمة عيشهم. اليوم، في حضرة اليوم العالمي للاجئين، يروي بعض اللاجئين من سوريا ما يعانونه للحصول على ما يفترض أنه حق: الطبابة. الحصول على الخدمات الصحية أصعب من الحصول على المأكل. هذا ما تقوله نيفين، اللاجئة إلى بر الياس البقاعية مع ابنتها أسماء. هذه الأخيرة تبلغ من العمر 13 عاماً وتعاني من مضاعفات خطيرة ناتجة عن إصابتها بالسكري وباضطرابات في الجهاز العصبي، ما يفرض إدخالها إلى المستشفى كلما اشتد وضعها تأزماً. بسبب ذلك، تضطر نيفين للإستدانة «من الناس» الذين صار لهم في ذمتها «خمسة ملايين ليرة كلها لعلاج ابنتي، لا لشيء آخر ولا حتى لشراء الخبز». ما يراكم المعاناة هو محدودية المستشفيات التي قد تلجأ لها، خصوصاً مع توجه بعضها لمصادرة أوراق المرضى للضغط عليهم لدفع التكاليف، «وهذا ما حصل مع زوجي. إذ لا تزال هويته محتجزة في احد المستشفيات لأننا لم نسدد التكاليف، وفي مرّة أخرى احتجزوا ابنتي ثلاثة أيام».
محمد ليس أفضل حالاً. طفله طلحة يعاني من السكري المزمن وثقب في القلب يهدد حياته. لا شيء يتعب محمد، اللاجئ في بلدة بحنين شمالي لبنان منذ بداية الأزمة، أكثر من حال ابنه. هذا أكبر التحديات التي يواجهها في لبنان، وجل ما يستطيع تأمينه له اليوم «علاج السكري الذي نحصل على أدويته مجاناً». أما ثقب القلب فلا علاج له سوى «عملية زراعة قلب، وهو أمر مستحيل في ظل الأوضاع الصعبة». من بين مئات الجمعيات والمنظّمات المحليّة والدوليّة العاملة في لبنان، لم يجد من يرشده إلى الحل الأنسب لتوفير علاج متكامل لابنه. يقول: «تقدمنا بطلبات عدة إلى جهاتٍ وجمعياتٍ مختلفة، لكننا لم نجد من يساعدنا».
العوائق الماديّة من أهم العوائق التي تحول دون وصول اللاجئين والأشخاص من الفئات الأكثر حاجة إلى خدمات الرعاية الصحيّة عندما يحتاجون إليها. هذا، باختصار ما يمكن أن نرويه عن أبرز التحديات التي يواجهها اللاجئون في لبنان. كثيرون منهم لا يمكنهم تحمّل تكاليف الاستشارة الطبيّة، أو الدواء، ولا حتّى تكاليف المواصلات للتوجّه إلى مرفق صحّي، بسبب محدوديّة مواردهم الماليّة. صحيح أن المنظّمات الدولية، مثل الأونروا ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعتمد أنظمة التغطية الصحية لتسهيل توفير الرعاية الصحية للاجئين، إلا أنه غالباً ما تكون التغطية جزئيّة، ولا تتضمن بعض التكاليف الخفيّة كإجراءات التسجيل واستشارات المراجعة والفحوص المخبرية، كما لا يزال عدد من الخدمات الصحية غير متوفر وغير مشمول بالتغطية، مثل الإجراءات التشخيصية وخدمات الرعاية المتخصّصة والعمليات الجراحيّة غير الطارئة والمتخصّصة وبعض أدوية الأمراض المستعصية والمعالجة الشاملة للأمراض.
انطلاقاً من عملنا، نعرف بأن الخدمات الصحية تبقى في بعض جوانبها أقرب إلى المستحيل. صحيح أن المنظمة تقدم خدمات طبيّة مجّاناً، وبرغم توفّر عامل اجتماعي في عيادات المنظّمة يساعد على إرشاد الناس وربطهم بجهات فاعلة من المحتمل أن تقدّم الخدمة التي يحتاجونها، إلا أنه غالباً ما تحول لوائح الانتظار الطويلة، أو التوقيف المفاجئ لبعض البرامج، أو عدم توفّر الأماكن في المستشفيات، دون وصول المريض إلى الخدمة المرجوّة. يضاف إلى ذلك الوضع القانوني للاجئ، وهو من أبرز العوائق التي تؤثّر على إمكانيّة حصوله على الرعاية الصحيّة، إما لجهة الاستفادة من الدعم الإنساني الذي تقدّمه المنظمات، أو لجهة تقييد حريّة التنقّل في للوصول إلى المرافق الصحيّة.

* نائبة رئيس بعثة أطباء بلا حدود في لبنان.