لم تكن ملاك تعلم، لدى عودتها من نيجيريا إلى لبنان قبل 6 سنوات، أن الـ«تيربان» (العمامة) الذي فرضت ظروف تلك البلاد أن ترتديه كنوع من الحجاب، سيصبح «موضة» في بلدها الأم. حينذاك، بدت الشابة، العائدة لتوّها، استثناء بين محجبات متشابهات. بـ «العمامة» التي كانت تخفي شعرها، وبحجابها القادم من بلاد أخرى، كانت مجبرة على مواجهة واقعٍ يستنكر ما اعتُبر «إساءة للحجاب».لم يدم ذلك طويلاً. شيئاً فشيئاً صارت «الإساءة» التي ترتديها «ستايل» لدى معظم المحجبات. منذ عامين، باتت كل «محلات الحجاب الشرعي» تدرج موديلات متعددة للـ «تيربان» ضمن تشكيلاتها، وصارت بعض المحال تنفرد ببيعه دون سواها. هكذا، انتشرت موضة الـ«تيربان» وصار لها زبائن كثر. مع الوقت، تنوعت وظائفه، فعدا عن كونه «ستايلاً عصرياً»، بات أيضاً «ملجأ» لمن يرتدين الحجاب لأسباب «عائلية واجتماعية»، كعبير التي لم تعد مقتنعة بحجابها فوجدت ضالتها فيه كحل أمثل، «وإذا كانت الغاية اخفاء شعري فأنا ملتزمة بذلك!».
أول ظهور للـ«تيربان»، كما هي حال كل منتج، كان على رؤوس عددٍ من النجمات العالميات في المهرجانات وعلى السجادة الحمراء. سرعان ما انتشر كآخر صيحات الموضة للمحجبات ولغيرهن. مع تلك العمامة، صرنا نرى نوعاً مما يمكن تسميته بـ«محاولات الحدّ الأدنى من الحجاب» المُنتشرة في بعض المجتمعات الإسلامية، وهي أنواع الحجاب التي تحاول الالتزام بتغطية الرأس إرضاءً لرغبتين متناقضتين: الإلتزام الديني ومجاراة النمط العصريّ.
انتشار «العمامة» كان طفيفاً في محلات بيع لوازم المحجبات في الضاحية الجنوبية عام 2017. «أما اليوم فما نكاد نعرض بضاعة جديدة حتى تطير»، تقول موظفة في أحد هذه المتاجر، مشيرة إلى أن الـ«تيربان» اجتذب عدداً لا بأس به من المحجبات، خصوصاً أن الكثيرات من الـ «فاشونيستاز» يروجن له عبر «انستغرام» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي. وتضيف أن أكثر اللواتي يخترن ارتداءه «من اللواتي يرتدينه كمقدمة لخلع الحجاب، أو لأنهن غير مقتنعات بالحجاب ولا يستطعن خلعه لسبب أو لآخر». فيما تلجأ اليه بعض كبيرات السن «كونه أريح»، وبعض المحجبات، في المناسبات، «ليلائم الفستان الذي يفسد مظهره بالحجاب العادي».
والـ«تيربان»، كأنواع الحجاب الأخرى، في غالبيته ليس محلي الصنع، وإنما يستورد من مصر وتركيا، والأخيرة باتت تعد بلد «الموضة الإسلامية». تراوح أسعاره بين 10 و20 دولاراً بحسب نوع القماش والأكسسوارات التي يتضمّنها، فيما ازدهرت صناعته محلياً في بعض مشاغل الضاحية.
في كتاب «إسلام السوق» لباتريك هايني، يتحدث الأخير عن تغير مظاهر الحجاب واتخاذه أشكالاً جديدة، أو ما عبّر عنه بالـ«ستريت وير» الإسلامي streetwear. وهي «أشكال خالية من السياسة ومنفتحة على التأثيرات الثقافية الأجنبية»، وهو «إن خلا من السياسة وكان أقل نضالية، إلا أنه يبقى ملتزماً بمركزية مبادئ الحشمة، مع التخفيف من حدتها مقارنة بحجاب الجيل الأول». ويخلص هايني الى أن «أنصار إسلام السوق استثمروا الورع والقيم الخاصة ليشكلوا حداثة مسلمة ترمز إلى تراجع الآمال العلمانية التي تدعو إلى إسلام الشأن الخاص، وفي الوقت نفسه تراجع المشروع الإسلاموي ذي الطبيعة الثقافوية الذي يدعو إلى شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة من جهة أخرى».
برأي السيد جعفر فضل الله فإن الـ«تيربان» يمثّل نوعاً من «التسوية» التي تلجأ إليها الفتاة «للتحلل من القيود الشرعية، وتحافظ في الوقت نفسه على صلة مع مجتمعها». واعتبر أن «هذا النوع من الحجاب اختراع لا يدخل في حيّز السفور حسب القيم الاجتماعية ويحافظ على الخيط الذي يبقي الصلة بالانتماء الاجتماعي وإلى حد ما الانتماء الديني»، بما يعد ـ وفق فضل الله ـ تعايشاً بالاكراه بين بعض الفتيات ومجتمعهن الذي يقبل هذا النوع من الحجاب على مضض.