لم تكن المحامية أماني عالجي تتوقّع أن امتحانها الشفهي أمام اللجنة الفاحصة في معهد الدروس القضائية سيتمحور حول الغطاء الذي تضعه على رأسها، والذي سيصبح في ما بعد العائق الأساس أمام دخولها إلى السلك القضائي.«يلّا خبرينا شو قصّة هالحجاب؟»، «ما فيكي تفوتي عالمعهد وأنت محجّبة»، «هيدي حريتك الشخصية وبتمنالك مستقبل غير القضاء». لم تفهم أماني ما الذي يريده القاضي من تلك الأسئلة والإشارات. لكن سرعان ما اتضح أمامها كل شيء، عندما بادرها بالقول إن «العرف يمنع دخول المحجبات (...)». بسبب ذلك، مُنِعت الشابة من مجرّد إجراء الامتحان لأن ما تضعه على رأسها «يؤثر على عملها». هذا ما يقوله بعض القضاة، انطلاقاً من أن الحجاب يعني أنها «امرأة مسلمة». وهذا يعني أنها «ستكون منحازة إلى الشريعة الإسلامية في الأحكام التي تصدرها»! لهذا الاعتبار، وُلد «العرف»، ونُسف معه دستور أساسه المساواة من دون تمييز، واتفاقيات دولية يدخل لبنان طرفاً فيها، منها على سبيل المثال العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية التي انضم إليها لبنان منذ عام 1973، وتنص على المساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز بسبب لون أو عرق أو (...).
هكذا، وبسبب عرفٍ داخلي، خرجت أماني من امتحان القضاء «راسبة» حتى قبل أن تمتحن بسبب حجابها، وكتبت منشوراً طويلاً عن أبشع تجاربها مع قاضٍ اختصر نظاماً قائماً على التمييز بأكمله. أمس، تفاعل الكثيرون مع حكاية أماني التي لا تخصّها وحدها فقط. العشرات، جلّهم طلاب، تجمّعوا من كليات الحقوق في لبنان وبعض الناشطين الحقوقيين أمام قصر العدل، حاملين شعار «حجابي مش ضد العدالة». انطلق هؤلاء من «الدستور الذي يكفل في مادته التاسعة المساواة بين المواطنين، بغضّ النظر عن أي شيء». لكن، في الدولة، ثمة مؤسسات كثيرة محكومة بالأعراف، وليس معهد الدروس القضائية وحده. يمكن الحديث، هنا، عن السلك الدبلوماسي ووزارة الخارجية. العام الماضي أيضاً، كان سلك آخر يمارس هذه العنصرية ضد المحجبات، وهو السلك العسكري والبلديات، قبل أن يصدر رئيس الحكومة تعميماً يطلب من المؤسسات الحكومية «قبول جميع طلبات المواطنين المتوافرة فيها الشروط التي ينصّ عليها القانون، بمن فيهم المحجبات».
لكن، الأمر «ليس بحاجة إلى تعميم»، يقول الدكتور حسن جوني، الباحث في القانون الدولي. أكثر من ذلك «لا يجب أن يكون هناك تعميم في الأصل، لأنه بذلك يؤكد التمييز، في الوقت الذي لا يجب أن يكون فيه هناك تمييز من الأساس». صحيح أنه ليس هناك قانون واضح يتناول هذا الموضوع بالذات، إلا أنه لا يمكن للعرف أن يحكم خلافاً للقانون. فلا يعني هذا الأمر سوى شيء واحد «هو انتهاك للقوانين اللبنانية أولاً، وانتهاك للاتفاقيات الدولية التي يعتبر لبنان طرفاً فيها وهذا المهم». أما الحجاب فهو شأن آخر. هو «حرية شخصية. حرية معتقد، ولا يجوز أن يكون عائقاً».
يتذرع بعض القضاة بحجة تعارض الحجاب، كشعار ديني، مع مفهوم الدولة المدنية. لكن، ماذا عن لبنان المحكوم من طوائفه؟ أين يمكن وضع مصطلح الدولة المدنية، إن كانت الأعراف هي التي تحكم لا القانون؟ ثم، ماذا مثلاً لو أرادت قاضية أن ترتدي الحجاب وهي في السلك؟ ما الذي يقوله العرف في هذه الحالة؟