متسرّعاً كان قرار وزير البيئة فادي جريصاتي (في الـ20 من الشهر الماضي) بالإعلان عن إعادة فتح «موسم الصيد» لعامي 2019 - 2020 وتحديد لائحة الطرائد المسموح بصيدها (من 1 أيلول 2019 الى 15 شباط 2020). فالقرار جاء بعد نحو شهر على إعلان نهاية «الموسم» السابق، وقبل تقييم تجربة السنتين الماضيتين اللتين فتح فيهما سلفه طارق الخطيب «الموسم» (للمرة الأولى منذ عام 1996 عندما أصدر مجلس الوزراء قراراً بمنع الصيد البري على الاراضي اللبنانية كافة)، متجاهلاً النصائح العلمية والبيئية بالاستمرار في تطبيق المنع الكلي حتى إدخال التعديلات اللازمة على القانون الرقم 580، ومن دون الأخذ بالآراء التي شككت في قدرة الأجهزة الأمنية على التمييز بين الطيور المسموح أو الممنوع صيدها.المعطيات التي وُضعت أمام جريصاتي، وقرّر بناءً عليها فتح «الموسم» مبكراً، تضمّنت تراجع عدد طالبي التراخيص الى 10270 طلباً عام 2018 مقارنة بنحو 16 ألفاً عام 2017، وتدنّي المداخيل الناتجة عن التنظيم والترخيص.
إلا أن هناك وجهة نظر أخرى، بعيداً عن ضغوط الصيادين وتجار أسلحة الصيد وذخائرها، تفسّر تراجع عدد طالبي الترخيص بطريقة مختلفة تماماً. فعدد 16 ألف صياد عام 2017 لم يكن حقيقياً في ظل إحصاءات موثوق بها تشير الى أن عدد هؤلاء يربو على 30 ألفاً. أما تراجع العدد عام 2018، فيُعزى إلى شعور كثيرين بأن تطبيق قانون التنظيم لم يكن فاعلاً، لذا فضّل كثيرون البقاء من دون تراخيص، فضلاً عن أن كثراً من طالبي التراخيص لم يجدوا طيوراً ليصطادوها!
الأهمّ من ذلك كله أن إدارة التنوع البيولوجي في البلاد والمحافظة عليه لا يفترض أن تبنيا على عدد الرخص ولا على المداخيل المالية ولا على على أرقام «عدّاد» للرخص أو للعائدات، لأن انقراض نوع واحد من الطيور لا يقدّر بثمن، بل على رأي علماء البيولوجيا الذين لا يوجد بينهم من يجرؤ على تصنيف أي طير في خانة «المسموح صيده». وفي كل الاحوال، لا يفترض الاتكال على العدّ لتحديد الاتجاهات البيئية الاساسية، ولا على عدد الصيادين الذي يتجاوز بالتأكيد عدد البيئيين، ولا على عدد الطيور المتبقية، بل يتعلق باستدامة نظم ايكولوجية متكاملة، تعني أن التضحية بانقراض أي نوع من أنواعها، تخريب كل أسس النظام وتعريض حياة الانواع كلها، بما فيها النوع الانساني، للانقراض.
والمأمول أن يعيد وزير البيئة النظر في قراره، وصولاً إلى إعادة نظر شاملة في قانون الصيد البري الذي يتضمّن مفاهيم ومفردات متخلّفة بيئياً. وكان ناشطون بيئيون خاضوا معركة كبيرة عام 2003 لنقل سلطة الوصاية على الحياة البرية (وقانون الصيد) من وزارة الزراعة (يفترض أن تنحصر مهمتها بالمزروعات وتربية الثروة الحيوانية) الى وزارة البيئة باعتبارها المسؤولة عن الحياة البرية وحمايتها. وقد نجح هؤلاء في ذلك مع تعديل القانون عام 2004، لكنهم أخفقوا في معركة تغيير مضمون القانون بمبادئه ومفرداته وتعريفاته وأهدافه ومتطلباته الإجرائية، بدءاً من تغيير تسميته من «الصيد البري» الى قانون «حماية الحياة البرية»، على سبيل المثال، وصولاً الى مصطلحات من نوع «فتح موسم الصيد» المخالف لأبسط المبادئ البيئية التي يجهلها ـــ على يبدو ـــ كثر من موظفي الوزارة ومن يدورون في فلكهم من صيادي طيور و«صيادي المشاريع». فتعبير «المواسم» يطلق على المواسم الزراعية التي يتعب المزارع في رعايتها ليحتفل نهاية الموسم بقطافها. فهل تعب أحد في تربية الطيور البرية حتى تفتح لهم وزارة البيئة «موسم» قتلها و«جنيها»؟!
لا يوجد بين علماء الأحياء من يجرؤ على تصنيف أي طير في خانة «المسموح صيده»


ولعل أهم المبادئ التي يخالفها القانون هو غياب العدالة بين الكائنات، ما يؤدي الى خلل خطير بين الأنواع الحية. فغياب التوازن بين تطور أدوات الصيد وطرق القتل والإبادة لدى الإنسان، وبين ثبات آليات الدفاع لدى الطيور، سيؤدي حتماً الى انقراضها، إلا إذا أعدنا هذا التوازن بمنع الصيد، أو على الأقل السماح به عبر أدوات بدائية في حال كان هناك إصرار على هذه «الهواية» القاتلة.
أضف الى ذلك، ما معنى أن نقنع أنفسنا بمنع صيد الطيور المهاجرة فيما نسمح بقتل تلك المقيمة؟ وكيف نتّكل على رأي خبير واحد في الطيور، مهما كان عظيماً، لتحديد أي الأنواع المسموح صيدها وعددها؟ وهل من دراسات دقيقة حول التنوع البيولوجي تحدّد أي الأنواع انقرض وأيّها معرّض للانقراض في ظل التغيرات الدراماتيكية في الطبيعة اللبنانية بسبب فلتان الصيد والعمران والزراعة والمبيدات والمقالع والمرامل والكسارات والحرائق وتلوث المياه والتربة والهواء…؟
لم يناضل البيئيون، منذ بداية التسعينيات لتثبيت وجود وزارة البيئة ودورها، من أجل أن يأتي منتفعون وصيادو مشاريع للهيمنة على قراراتها والاستمرار في ضرب التنوع البيولوجي والثروات البيئية الوطنية التي لا تعوض، كما حدث، مثلاً، في غابات كثيرة ضربها اليباس مع انقراض طائر نقار الخشب الذي يقتات على الديدان التي تفتك بالأشجار.
انطلاقاً من كل ذلك، يفترض ــ مرة أخرى ــ بوزير البيئة إعادة النظر في قرار فتح «الموسم» والعودة الى قرار المنع الكلي للصيد البري، أقله إلى حين إنجاز كل الدراسات المطلوبة.