حسمت ليال أمرها بعدما رأت أنف صديقتها إثر «العملية الناجحة في سوريا»، التي لم تكلّفها أكثر من 300 دولار. مبلغ «محمول» نسبياً مقارنة بالألف دولار، كلفة العملية نفسها في لبنان. التواصل مع الطبيب «سهل وبسيط»: «أرسَلَ إليّ صوراً عبر الواتساب عن شُغله (قبل العمليات وبعدها). تم الحجز، وأُجريت العملية في أحد مستشفيات جرمانا»، إحدى ضواحي دمشق.لبنانيات (ولبنانيون) كثيرات يسلكن «خطّ الشام» طلباً لـ«الجمال». لا إحصاءات دقيقة لهؤلاء. لكن يمكن التقدير أن «الأرقام عالية»، وفق طبيب الأنف اللبناني علي الحسيني. الأخير يتعاون مع طبيب تجميل سوري يحوّل اليه مرضاه لـ«فكّ الفتائل» بعد خضوعهم لجراحات في سوريا. يقول الحسيني إن الطبيب اللبناني صار «اختصاصي فك فتائل»، فيما تُجرى الجراحات في سوريا «لأن الأسعار رخيصة ولا يمكن منافستها في لبنان تبعاً لفرق العملة». ويوضح أنه «يفكّ» فتائل ثلاثة مرضى أسبوعياً، علماً بأن «مرضى كثيرين لا يضعون فتائل، وهو ما يصعّب حصر أرقام من يجرون عمليات في الشام».

تكثر الحالات التي أوصلت بعضهم إلى التشوّه وعرّضت حياتهم للخطر (مروان طحطح)

وسائل التواصل الاجتماعي تزخر بصفحات وإعلانات ترويجية لأطباء وعيادات تجميل سورية. «عروضات مغرية» و«حسومات» و«أسعار مميزة»، حتى يخال المرء نفسه أمام إعلان لمساحيق التنظيف. من جملة «الإغراءات»، مثلاً، «باكيج كامل» لـ«رحلات تجميلية» تتضمن ـــ إضافة إلى الجراحة ـــ إقامة فندقية وزيارة أماكن دينية وسياحية، مع مراجعة مجانية لـ«الرتوش» بعد ستة أشهر، فضلاً عن «عروض خاصة»، كتوفير طبيبة للراغبات في إجراء عمليات لدى طبيبة حصراً، مع كادر نسائي خاص.
هذه «المميزات»، وإن كانت قد عززت من مكانة سوريا التجميلية، إلا أنها أنعشت، في المقابل، سوق السماسرة الذين يعملون في «تدبير» مرضى لمصلحة أطباء، بعضهم غير متخصص في الجراحة التجميلية، أو لدى متمرّنين لم يتخرّجوا بعد. تروي ريهام، وهي محامية، كيف تعرضت لعملية خداع أدّت إلى إلحاق تشويه بها وكادت تودي بحياتها: «أجريت العملية في مستشفى في طرطوس بعدما تعرّفت الى الطبيب عن طريق سمسارة لبنانية. عقب عودتي الى لبنان بعد يوم واحد أُغمي عليّ ونُقلت الى المستشفى، ليتبين أن عملية تصغير الأنف أثرت على التنفس، ما استدعى تدخلاً جراحياً لاستعادة وظيفة التنفس على حساب شكل الأنف». والنتيجة «أنني كنت أعاني سابقاً من انحراف بسيط في شكل الأنف، أما الآن فقد أصبح مشوّهاً تماماً».
تكثر الحالات المشابهة التي أوصلت بعضهم إلى التشوّه بدلاً من تحسين ما أرادوا تجميله، وعرّضت حياتهم للخطر. المشكلة، بحسب الحسيني، أن «كثيرين لا يسألون عن الطبيب، بل يحكمون على عمله على أساس صور ينشرها على صفحة الفايسبوك، عمّا قبل العملية وما بعدها. وهذه الصور الإعلانية كثيراً ما تكون وسائل خداع»، لافتاً إلى أن «الطبيب الذي يجري عملية تجميل الأنف، مثلاً، لا يتدخل في أمور أخرى قد تبيّنها الجراحة، كوجود مشاكل في التنفس، بحجة أن المريض لم يطلب ذلك، علماً بأنه محكوم بكلفة الـ300 دولار».
رئيس الرابطة السورية للجراحة التجميلية والترميمية والحروق وائل برازي أوضح لـ«الأخبار» أن عدد الأطباء المسجّلين في وزارة الصحة السورية كأطباء جراحة تجميلية يبلغ «150 طبيباً في كل سوريا»، فقط، هم مؤهلون لممارسة المهنة بحسب الأصول. ويقرّ بأن السعي المحموم وراء الربح المادي دفع كثيراً من الأطباء، من اختصاصات مختلفة، إلى إجراء دورات سريعة للعمل في هذا المجال، وهذا الأمر «يتم على حساب الجودة وصحة المريض». ويشدّد على أنه «وحده طبيب الأنفية يحق له إجراء عمل جراحي تجميلي إذا تمرّن تحت يد طبيب واكتسب خبرة طويلة»، فيما لا يحق لطبيب الأمراض الجلدية أو النسائية، مثلاً، إجراء عمل جراحي تجميلي، «لأنه ليست لديه معرفة بالمضاعفات التي تحدث بعد العمل الجراحي... لكن، للأسف، ما يحدث هو العكس».
معظم ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻞ في سوريا ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺧّﺼﺔ وتستعمل فيها تقنيات ومواد سيئة طبياً


في السياق نفسه، يلفت اختصاصي الجراحة التجميلية والترميمية السوري حسان بغدادي الى أن «كثيرين صاروا أطباء تجميل من دون ترخيص»، فيما «غالبية ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻞ في سوريا ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺧﺼﺔ، وﻫﻲ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ تستعمل فيها تقنيات ومواد سيئة طبياً، ما ينعكس سلباً على صحة المرضى». أكثر من ذلك، فإن بعض الأطباء ـــ التجار «يستعينون، للاستحصال على رخصة، بمتخرّجين جدد في الجراحة التجميلية خبرتهم لا تزال ضعيفة». بحسب بغدادي، يؤثّر «رخص العمليات» في «سمعة» الطب التجميلي في سوريا، ويعزو هذا «الرخص» الى «الوقت القصير الذي تستغرقه هذه الجراحة، ولا يتعدى أحياناً ربع ساعة. وهذا ينتج عنه إهمال بعض الخطوات، ما يترك ندوباً وآثاراً تظهر بعد العملية، وتتطلب في غالب الأحيان إجراء عمليات تصحيحية لا تنجح في إزالة التشوّهات تماماً»! وتكبر المخاطرة في بعض العمليات، خصوصاً عمليات تصغير الثدي أو تكميم المعدة، إذا لم يكن الطبيب ذا خبرة كافية، ما قد يؤدي إلى الإضرار ببعض الأعضاء، وأحياناً إلى الوفاة.
في ظل هذا الواقع، كيف يمكن معرفة الوجهة الصحيحة؟ وماذا عن ﺩﻭﺭ وزارة الصحة السورية في اتخاذ إجراءات رادعة لمن يمارسون المهنة بشكل غير قانوني؟ وهل من دور لنقابة الأطباء في لبنان؟
نقيب الأطباء في لبنان، ريمون الصايغ، قال لـ«الأخبار» إن «للبناني الحرية في أن يختار أن يتطبّب حيث يريد وساعة يشاء»، مشيراً الى أن «لا معلومات لدينا عن الواقع الاستشفائي في سوريا ولا نقوم بأي تواصل في هذا الشأن»، ولافتاً إلى أن «أيّ عمل جراحي، حتى لو كان في أفضل المراكز، قد يؤدي إلى مضاعفات»، فيما يشير برازي إلى أن الرابطة السورية للجراحة التجميلية والترميمية والحروق «رفعت كتباً عديدة إلى وزارة الصحة لضبط التفلت الحاصل، حرصاً على سمعة المهنة التي وضعت سوريا في مصاف الدول الأولى في مجال الجراحة التجميلية». لكن، من جهة أخرى، فإن «ضبط المخالفات يعتمد بشكل أساسي على الشكوى»، داعياً «أيّ متضرر إلى رفع شكوى عن طريق الرابطة، لأنها تصل إلى المكان المناسب». ولفت الى أن الرابطة ستنشئ صفحة على موقع فايسبوك تضمّنها أسماء كل جرّاحي التجميل المسجّلين لدى وزارة الصحة.



3000 عملية تجميل وترميم شهرياً


تؤكّد الرابطة السورية للجراحة التجميلية والترميمية والحروق أن أكثر 3000 عملية تجميل وترميم تجري شهرياً في سوريا. وقد زادت وتيرة هذه العمليات خلال الحرب، جراء ارتفاع عدد الاصابات الحربية والتشوّهات والحروق، فيما يُعزى الطلب المتزايد على عمليات التجميل الى الآثار النفسية التي تركتها الحرب وشعور كثيرين بالحاجة إلى التغيير. وخلال مؤتمر للرابطة في آب الماضي، أشار أستاذ جراحة التجميل والأورام في كلية الطب بجامعة البعث في حمص، الدكتور فهد شريباتي، الى أن «الجراحة الترميمية، نتيجة تعامل الأطباء مع إصابات الحرب، شهدت تطوراً ملحوظاً في سوريا، إلا أن الشق التجميلي لا يزال أقل تطوراً ومواكبة للمستجدات العالمية». وتطرق المؤتمر الى «وجود تعدٍّ كبير على المهنة من قبل غير المختصين»، بحسب رئيس الرابطة وائل برازي، «وهو ما نحاول ضبطه بالتعاون مع وزارتي الصحة والتعليم العالي ونقابة الأطباء». وفي ما يتعلق بجراحات التجميل، تحتل عمليات تجميل الأنف المرتبة الأولى، يليها شفط الدهون ونحت الجسم، ثم عمليات تجميل الثدي، وأخيراً شدّ الوجه والجفون.