يعتقد البعض أن مهمة وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي - بحسب تصور الفريق السياسي الذي اختاره - هي المساهمة في تنفيذ أجندة مؤتمر «سيدر»، لا سيما في ما يتعلق بالحصول على قروض لتمويل انشاء محارق النفايات بكلفة مليار و400 مليون دولار، مع ما يتطلبه ذلك من دراسات للأثر البيئي او تعديل قوانين او اتخاذ قرارات، وتسهيل الحصول على تمويل إضافي لإنشاء مزيد من السدود التي تم اقرارها في المؤتمر.وقد دلت التجربة السابقة أن كثيراً من المخططين أو المستشارين لا يعرفون بالضبط ما هي مهمات وزارة البيئة في لبنان ولا صلاحيات الوزراء! وحتى ما يسمى «دراسة الأثر البيئي للمشاريع»، لم تدخل بعد ضمن الاهتمام العام للسياسيين، ولا في الثقافة العامة، ولا لدى الكثير من البيئيين أنفسهم، ناهيك بالمستثمرين. كما أن من عملوا على وضع القوانين والمراسيم التنظيمية، او الذين تمت استشارتهم اثناء اقرارها، ليسوا هم أنفسهم من يعملون في الوزارة او مستشارين للوزراء… مما يطرح اشكالية كبيرة سيواجهها الوزير الجديد حين ينكبّ على القضايا الأساسية المطروحة!
وقد جرت العادة حتى الآن ان تكون قرارات الوزراء استنسابية، حسب الجهة التي يمثلونها، او حسب طلبات أصحاب المشاريع… لذلك، تم تجاوز الكثير من الآليات التي كان يفترض اعتمادها ومخالفة أبسط قواعدها.
صحيح أن المشرّع، المستند الى تجارب كثيرة حول العالم، أخذ في الاعتبار دراسة المشاريع قبل وأثناء التخطيط لها او مع بدء تنفيذها… الا أن هذه الآليات كانت بحاجة الى مراجعة وتطوير لو وصل الى وزارة البيئة من يهتم بهذا الأمر المحوري والاستراتيجي.
أُقرّت فكرة «دراسة الاثر البيئي» عام 2012، إثر انتهاء مرحلة «إعادة الإعمار»، لتسهيل الأعمال على المستثمرين. فبعد الدمار الذي أصاب الكثير من الموارد الطبيعية، وضعت آليات جديدة لتجنب المزيد من الدمار قبل حصول المشاريع او اثناء تنفيذها. وفي هذا السياق، هناك خمسة أنواع من دراسات تقييم الأثر البيئي لكل منها آلياتها واهدافها: «التقييم البيئي الاستراتيجي»، «تقييم الأثر البيئي»، «الفحص البيئي المبدئي»، «خطة الإدارة البيئية» و«التدقيق البيئي»... ولكل منها وظائف ومتطلبات ومراحل وظروف وانعكاسات، لم تحترم كما يجب حتى الآن. وما يعنينا، بمناسبة التسلم والتسليم في وزارة البيئة، أن نرصد بحذر، ما الذي سيتغير على المستوى الاستراتيجي، وكيفية اختيار الأولويات، في زحمة المشاكل والازمات والكوارث البيئية، لأن المخاطر لا تقف عند المشاريع المدرجة فقط في برنامج «سيدر» الذي تعوّل عليه الحكومة الجديدة.
واذا أضفنا الى لائحة دراسات التقييم البيئي الاستراتيجي، قضايا الطاقة وتقييم خيار التنقيب عن النفط والغاز الذي لم يدرس كفاية بعد، بحسب اعتقادنا، ووضع استراتيجية للتنمية المستدامة لم تناقش حتى الآن، اضافة الى ملف ادارة المقالع والكسارات والمرامل وشركات الاسمنت الذي يحتاج الى استراتيجية وقانون جديد لم ينجز بعد، وتقييم قطاعات حيوية مثل النقل والصحة والزراعة وحماية التنوع… يمكن القول إن مهمة الوزير الجديد شبه مستحيلة، اذا أخذنا في الاعتبار فقط طريقة اختياره، بعد اعترافه بأنه كان قد حضّر نفسه لوزارة الزراعة لا البيئة!
إذا كان تعيين الوزير الجديد تم من أجل المشاريع والاستثمارات التي تتعارض في غالبيتها مع منطق وجود وزارة البيئة، فليس على من يعتقد أن المهمة الأساسية لوزارة البيئة هي حماية الموارد والطبيعة والتنوع البيولوجي ومقومات الحياة... أن ينتظر الكثير. بل عليه أن يخاف كثيراً من أن نكون امام استبدال الوزارة بوزير لم يكن يعرف كيف يعرقل ولا كيف يسهّل، بوزير عليه أن «ينجز» في المكان الذي يفترض أن «يتحفظ» فيه على الاقل. مع الاشارة الى أن عودة الحقيبة الى التيار السياسي نفسه، يصعّب الأمور على الوزير الجديد، ويسهل الانتقاد على الخصوم، او على النقاد البيئيين المتابعين، الذين يحتسبون فترة السنتين السابقتين الضائعة، من ضمن فترة المحاسبة والمراجعة.
أما اذا أراد الوزير الجديد أن يكسر التوقعات ويضيف أمراً ايجابياً، فالمؤشر الأول الذي يمكن البناء عليه، هو كيف سيتعامل مع جسم الوزارة نفسها، وهل سيتمكّن من حلّ النزاع «التاريخي» بين المدير العام والكادرات الاساسية في الوزارة، اضافة الى كيفية هندسة العلاقات المعقدة مع مشاريع الأمم المتحدة داخل الوزارة… وكيفية اختيار مستشاريه، والاستفادة من دروس سلفه الذي ظل يبدّل في مستشاريه حتى اللحظة الاخيرة. وإلى ذلك، هناك سؤال مركزي يفترض مقاربته سريعاً: هل سيعمل الوزير الجديد وفق خطط من عيّنه حزبياً، ام وفق استراتيجية الوزارة وأولوياتها، بعد انجازها؟
اذا تمكن جريصاتي من الاجابة السريعة على هذه الاشكالية، لن يعود من معنى للانتقادات التي بدأت تطاله بعد اعلانه انه وقع على استقالته بعد 100 يوم من تسلمه الوزارة اذا لم ينجح!