الخامسة عصر اليوم، يقيم النائب ميشال ضاهر حفل كوكتيل عند حاجز الدرك على طريق ضهر البيدر، لمناسبة تبرّعه بثلاثة مولّدات كهربائية لإنارة الطريق الدولية، من أوتوستراد صوفر إلى المريجات «نظراً إلى عدم قدرة الدولة وأجهزتها المختصة على تنفيذ هذا المشروع الحيوي». ينير ضاهر، الحديث العهد بالنيابة، الطريق المعتم منذ دهر، كي يتسنى للعابرين إلى قراهم - قبل الويك إند - أن «يطلعوا ع ضو». هذا ما قاله المقربون منه. بيت القصيد ليس في ما فعله «النائب القوي» وصار إنجازاً يستحقّ - ولو على سبيل الطرفة - تسمية ضهر البيدر بـ«ضاهر البيدر»، بل في وقوف الدولة متفرّجة على «إنجاز» هو في الأساس واجب عليها وحق بديهي للمواطنين.منذ سنواتٍ طويلة، تلفّ العتمة الجزء الأكبر من الطريق الدولية، فيما الدولة عاجزة. عجز كهذا يسمح لضاهر - ولأي متموّل غيره - أن يتباهى بتولّي كلفة «تركيب المولدات وصيانتها ومازوتاتها حتى إشعار آخر»، كما يقول المسؤول في مكتبه الإعلامي جورج نصر. و«الإشعار الآخر»، في عرف الدولة، لا يأتي عادة، ليس بسبب العجز في كثير من الأحيان، بل لأنها اعتادت التنصل من دورها. المسألة هنا تتعدّى إنارة طريق وتخلّي الدولة عن واجباتها إلى ما هو أبعد، ويتمثّل في مخالفة من يفترض أنهم قيّمون على تنفيذ القوانين لهذه القوانين. إذ أن «هبة» ضاهر لم تسلك الطرق القانونية، لقبولها، بحسب قانون المحاسبة العمومية الذي ينص على أنه لا تقبل هبة، مالية كانت أو عينية، من الشخص المعنوي أو الحقيقي «إلا بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء أو بقرار من الوزير المعني»، وهو ما لم يحصل في هذه الحالة. علماً أن مصادر في وزارة الأشغال تشدّد على أن «انجاز هذه الامور سيتم في وقت لاحق... والأولوية الآن لإنارة الطريق لا للروتين الاداري».
المصادر نفسها أكّدت ان الوزارة أجرت أعمال الصيانة اللازمة لأعمدة الانارة، «فيما يقع تأمين التغذية الدائمة على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان». ولهذه الأخيرة، أيضاً، حصة من المسؤولية عن اهراق ماء وجه الدولة بسبب طريقة توزيع الطاقة التي تعتمدها. فإنارة الجزء المعتم من طريق ضهر البيدر لم تكن لتكلف المؤسسة ثلث ما يكلفها توفير الكهرباء لمعمل مياه صحة الواقع على الطريق نفسه. وبحسب النائب جميل السيّد، «تعطي كهرباء لبنان المعمل 600 كيلوواط 24/24 ساعة، بينما تحتاج إنارة الطريق 200 كيلوواط فقط». ليس المطلوب قطع التيار الكهربائي عن مكانٍ من أجل آخر، ولا تحميل الدولة ما لا طاقة لها به. كل المطلوب «تزبيط» المعادلة قليلاً: على سبيل المثال، يمكن إضاءة معمل صحة نهاراً، وتحويل ثلث «حصته» لإضاءة الطريق ليلاً، أو ضمّ هذا الطريق إلى لائحة «الاستثناءات» التي تزوّد بموجبها أمكنة محددة بالتيار بشكلٍ دائم، كالقصر الجمهوري أو السرايا الحكومية أو المجلس النيابي أو ثكنات الجيش والقوى الأمنية. بحسب الوزير السابق شربل نحاس «تخضع هذه الاستثناءات لمعايير مفهومة. وضهر البيدر يمكن أن يكون استثناءً أيضاً، خصوصاً أن توفير الإنارة له يخضع لمعيار مفهوم سلامة العابرين».
مبادرة ضاهر لا تكشف عن أزمة إنارة، بقدر ما هي أزمة دولة عاجزة عن القيام بمسؤولياتها، أو لا تريد ذلك عندما تكون قادرة. وليس ضهر البيدر سوى نموذج مصغّر عن كيف تسيّر المؤسسات العامة أمور البلاد والعباد. نموذج عن «الإنجازات» التي يراكمها مَن في السلطة على حساب حق المواطن، وعلى عين الدولة والقانون.