أعادت الحكومة الأثيوبية تشديد منع سفر مواطناتها للعمل في لبنان بسبب امتناع وزارة العمل عن توقيع اتفاقية مع الحكومة الأثيوبية لتحسين ظروفهن وضمان حقوقهن. تشدّد أديس أبابا لا يمنع قدوم العاملات، بل يزيد من فرص تعرضهن للاستغلال على أيدي تجار البشر، فيما من شأن عدم توقيع لبنان على الاتفاقية زيادة الكلفة على أصحاب العمل اللبنانيين وعلى العاملات أنفسهن.قرّرت حكومة أديس أبابا، الشهر الماضي، حظر سفر مواطناتها للعمل في لبنان بسبب عدم توقيع وزير العمل محمد كبّارة اتفاقية تفاهم بين البلدين لتحسين ظروف العاملات وضمان حصولهنّ على حقوقهنّ وتنظيم قطاع العمل المنزلي. وتنصّ الاتفاقية على بنود عدة، من بينها رفع الراتب الشهري للعاملة وتحديد ساعات العمل والتشديد على الحق في الإجازة الأسبوعية وغيرها. ولكن، ليس واضحاً ما إذا كانت تنصّ على إلغاء نظام الكفالة، «فالوزارة لم تفصح عن مضمون الاتفاقية ولم تنشرها بعد»، بحسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله الذي اتهم الوزارة بـ«الرضوخ لمصالح أصحاب مكاتب الاستقدام بالإبقاء على الواقع الفوضوي في هذا القطاع».
رئيس نقابة مكاتب الاستقدام السابق، عضو مجلس النقابة الحالي، هشام برجي، أوضح لـ«الأخبار» أن الاتفاقية معروضة على وزارة العمل منذ نحو ثلاث سنوات، «إلّا أن البطء الإداري وعدم إعطائها الأولوية حالا دون توقيعها». ونفى أن تكون لأصحاب المكاتب مصلحة في عدم التوقيع، بل «على العكس، نؤيّد، كنقابة، مبادئ الاتفاقية، ونرى أن مطلب رفع راتب العاملات محقّ». وإضافة إلى مصلحة أصحاب المكاتب المتمثلة باستئناف أعمالهم، ترى النقابة أن الاتفاقية من شأنها أن تخدم مطلبها «الأزلي» بتنظيم القطاع «بعدما دخل إليه كثير من الطارئين الذين عبثوا به». «الأخبار» حاولت التواصل مع كبّارة لمعرفة أسباب عدم التوقيع، إلّا أنها لم تلقَ جواباً. فيما نقلت مصادر متابعة للملف عن معنيين في وزارة العمل أن الحكومة الحالية في مرحلة تصريف الأعمال، وبالتالي لا يمكن الوزير التوقيع. إلا أن متابعين يؤكدون أن هذه الحجة غير مقنعة، إذ إن الاتفاقية معروضة على الوزارة منذ نحو ثلاث سنوات، ويشيرون إلى مخارج قانونية متاحة أمام الوزير.
بنغلادش بصدد اتخاذ خطوات مماثلة نتيجة حوادث الانتهاكات التي تتعرض لها مواطناتها في لبنان


يذكر أنّ قرار الحظر ليس جديداً، فقبل نحو خمس سنوات، قرّرت الحكومة الإثيوبية منع سفر العاملات إلى لبنان بسبب تقارير وثّقت حجم الانتهاكات التي كنّ يتعرّضن لها. لكن ذلك لم يحل دون استمرار استقدامهن إلى لبنان بواسطة «سماسرة» يديرون عملية تهريبهن عبر السودان، حيث وُثقت انتهاكات كثيرة بحقهن. وتؤكد مسؤولة قسم مكافحة استغلال النساء والاتجار بهنّ في منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً»، غادة جبّور، لـ «الأخبار» تعرّض عدد من العاملات للاغتصاب والاستغلال في السودان مقابل ضمانة مجيئهن إلى لبنان. وقد دفع ذلك أديس أبابا إلى اتّباع سياسة غضّ النظر وتسيير رحلات مباشرة من العاصمة الإثيوبية إلى بيروت، من دون التراجع عن قرار الحظر. لكنّ الحكومة الإثيوبية استأنفت القرار الشهر الماضي وأعلنت، بحزم، ضرورةَ توقيع الاتفاقية مع البلدان التي تنتشر فيها العمالة الإثيوبية، ومن ضمنها لبنان. علماً أن ثلاثة بلدان فقط، هي الأردن والسعودية وقطر، وقّعت الاتفاقية، فيما لا تزال الإمارات والكويت ولبنان وغيرها تتمنع عن توقيعها.

الحظر يزيد من مخاطر الإتجار
في هذا الوقت، يتخوّف عدد من الحقوقيين من التداعيات السلبية لإقرار الحظر على العاملات المهاجرات. منسقة مشروع «العمل بحرية» في منظمة العمل الدولية في لبنان، زينة مزهر، لفتت إلى أنه «رغم أن الحظر يعدّ وسيلة للضغط من أجل تحسين ظروف العمل في بلد المقصد، إلّا أن الدراسات تُثبت أنه يزيد من مخاطر الاستغلال والإتجار بالبشر». إذ «إنّ مراجعة عدد العاملين القادمين من بلدان حظرت العمل في لبنان في السنوات الماضية تُثبت أن الحظر لم يحدّ من الهجرة، بل على العكس من ذلك». وأضافت: «من هنا، تكمن أهمية الاتفاقيات الثنائية المبنية على ثقافة حقوق العمال والإنسان».
مُنسّقة برنامج دعم المهاجرين وضحايا الإتجار في «مؤسسة عامل الدولية»، زينة مهنّا، شدّدت على ضرورة اتخاذ خطوات سريعة لتدارك الوضع، لافتة إلى أنّ بنغلادش في صدد اتخاذ خطوات مماثلة نتيجة الانتهاكات التي تتعرض لها مواطناتها في لبنان. فيما لفتت المحامية في قسم الإتجار في «كفى»، موهانا إسحاق، إلى أنّ عدم توقيع لبنان على الاتفاقية من شأنه زيادة الكلفة على أصحاب العمل اللبنانيين وعلى العاملة نفسها التي تتكبد في غالبية الأوقات التكاليف الباهظة قبل وصولها إلى لبنان، والتي ترزح خلال الأشهر الأولى من قدومها تحت وطأة هذا الدَّين. وأشارت إلى ضرورة توقيع لبنان اتفاقية المنظمة الدولية رقم 189 المتعلقة بالعمل اللائق لعمال المنازل، ما يجعله ملزماً أمام المجتمع الدولي بالتزامات تتعلق بحماية الحقوق. أما جبّور، فأكدت ضرورة سريان الاتفاقيات الثنائية على بقية العاملات من الجنسيات الأخرى وأن لا تكون هذه الاتفاقيات مجرد حبر على ورق، «بل يجب أن تُرفق بآلية لتطبيقها».



72% من العاملات إثيوبيات
لا إحصاءات دقيقة تحدّد العدد الفعلي للعاملات في الخدمة المنزلية في لبنان. وتُشير التقديرات إلى وجود نحو 250 ألف عاملة منزلية (بطرق شرعية أو غير شرعية). وبحسب نقابة مكاتب الاستقدام، فإنّ عدد العاملات الإثيوبيات يقدّر بنحو 180 ألفاً، يُشكّلن نحو 72% من مجمل العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان.