في أيلول الماضي، كُشف النقاب عن مجزرة استهدفت مغارة تستوطنها طيور الوطواط في منطقة الشمال. إذ أقدم الفاعلون على التنكيل بها عبر إطلاق النار عليها قبل أن يُضرموا النار في المغارة، ما أدى إلى مقتل العشرات منها. لم تكن تلك المجزرة الأولى التي تستهدف هذه الكائنات ذات «السمعة السيئة» و«الشريرة»، التي غالباً ما تُصوّر كـ «مصّاصة دماء». علماً أن الوطواط كائن مسالم وشديد الأهمية في منظومتنا البيئية. إذ إنه عدو طبيعي للحشرات. فرغم أن وزنه يصل إلى 170 غراماً، فإنه يقتات كل ليلة على نحو 4 آلاف حشرة. وهو كائن ليلي ينشط مع بزوغ الفجر وعند المغيب، وهو الحيوان الثديي الوحيد الذي يستطيع الطيران لمسافات طويلة جداً. وبحسب الخبراء، هناك نحو ألف نوع من الوطاويط.بسبب تعرّضها للاعتداءات، يمكن الجزم بأن الوطاويط باتت معرضة للانقراض في لبنان، علماً أن فيه مغاور مهمة عالمياً بينها واحدة هي من أكبر مستعمرات الوطاويط في الشرق الأوسط. ولم تحظ هذه الطيور بالاهتمام، باستثناء عمل جمعيات كانت تهتم ببعض المغاور التي تتخذها الخفافيش مستوطنات لها، كنادي الكهوف اللبناني speleo club de liban والـ ALES.
ورغم اهتمام «مركز التعرف على الحياة البرية» بهذا الملف، وعلاقاته مع جمعية الوطاويط الأوروبية EUROBATS ومشاركته في إحياء «ليلة الوطواط العالمية»، وقيامه بدراسات متواضعة حول هذه الطيور في لبنان منذ عام 2007، إلا أن ذلك لم يساهم في حمايتها في عقر دارها بعد، ولا ساهم في إنشاء محميات خاصة بالوطاويط.
كذلك، يفتقر لبنان إلى الدراسات التي تربط بين العالم الجوفي في لبنان الذي يضمّ أكثر من 600 مغارة مكتشفة وعالم الوطاويط، لمعرفة أنواعها ورصد أماكنها وإحصاء أعدادها ومدى تأثر بيئتها من جراء الكسارات والمرامل (وحفرها وتفجيراتها) وإنشاء السدود وسدّ البواليع (كما يحصل الآن في بلعة) والتوسع العمراني على أشكاله... إضافة إلى رصد طرق حياتها وعلاقتها بالمحيط، ولا سيما في الحياة البرية والزراعية، وإبراز أهميتها الإيكولوجية والاقتصادية.
والأمر الأهم هو ضرورة إدخال تعديلات في المناهج التعليمية الرسمية لدحض الأساطير التي تحاك حول هذا الطائر، وهو أمر أساسي لتغيير الصورة النمطية المنطبعة في الأذهان حوله. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن سكان جزيرة سردينيا الإيطالية كانوا يعتقدون أن الوطواط رجل ميت يخرج ليلاً من تابوته ليمتص دماء ضحاياه. والمفارقة أن في هذه الجزيرة نفسها، هناك اليوم محمية للوطاويط، لا تفتح أمام الزوار إلا في منتصف نيسان، عندما تغادرها مئات الآلاف من الوطاويط بعد أن تستيقظ من سباتها الشتوي، قبل أن تعود إلى المحمية مع بداية الشتاء!
وتفيد دراسات بيئية بأن الوطاويط توفّر على كوكبنا استخدام نحو 2.36 مليون طن من المبيدات الحشرية سنوياً، وتؤدي دوراً مهماً في تلقيح نحو 400 نوع من النباتات والزهور والأشجار المثمرة والفاكهة (كالتين والمانجو)، وتساهم في عمليات التحريج، وروثها المسمّى «جوانو» من أفضل الأسمدة، لاحتوائه على نسبة عالية من النتروجين. وهو ليس أعمى، كما يشاع، لكن نظره بسيط ويستخدم نظام الرادار عبر إرسال ترددات صوتية لا يسمعها الإنسان، وعند انعكاسها ورجوعها إليه يستطيع تحديد مكان الحشرة.

مبيد الحشرات الأفعل
وكانت العاصمة الإيطالية روما، عانت مطلع الثمانينيات، من مشكلة انتشار بعض أنواع البعوض التي جاءت من أفريقيا، بواسطة إطارات كانت تصنّعها شركة «بيريللي» في القارة السمراء. جهود كبيرة بُذلت وأموال طائلة أُنفقت لمكافحة هذه المشكلة، لكنها فشلت كلها، إلى أن اكتشف العلماء، بعد سنوات، أن الخفافيش وحدها قادرة على مواجهة هذه الظاهرة. لذلك، عملت بلدية روما ووزارة الصحة الإيطالية على تشييد كهوف اصطناعية لاجتذاب الوطاويط، وشجّعت السكان على وضع «بيت الوطوط» (Box Bat) على أسطح منازلهم لتشجيع هذه الطيور على المبيت فيها!