طافت شوارع الرملة البيضاء، أمس بالبراز، إثر فيضان المجارير التي تكسرت على جانب الطريق وهطلت كالشلالات على الجهة المقابلة. والسبب؟ إغلاق رجل الأعمال وسام عاشور «الريغار» الرئيسي على الكورنيش بالباطون، قبيل افتتاح منتجعه المتعدي على أملاك بيروت البحرية. جرى ذلك برعاية محافظ بيروت ومجلس الإنماء والإعمار، وعلى مرأى من الشرطة، وبغضّ طرفٍ من البلدية... غير أن إخفاء الفضيحة لم يدم أمام غزارة الأمطار، فتأهب المذنبون جميعهم، للّملمة، وأقصى طموحاتهم إعادة المجرور إلى المسبح الشعبي!
تريد بلدية بيروت بمجلسها ومحافظها، أن تتمسك العاصمة بـ«هويتها وأناقتها». عاصمة، ترتدي زينة بمليونَي دولار وتنظّم مهرجانات وماراثونات بملايين الدولارات. ومن أجل هذا الهدف «السامي»، لم يتوان رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني عن ضرب يده على الطاولة، كما ينقل بعض الحاضرين لجلسة إقرار مليونَي الزينة، عند اقتراح أحد الأعضاء أن «يستعاض عن الزينة بمساعدات مدرسية للأولاد المحتاجين». ضرب الريّس الطاولة بيده قائلاً: «بيروت لازم تتزين». طبعاً الزينة يومها كانت أهم من أي مشكلة ثانوية، كشبكات الصرف الصحي التي تنتهي في البحر! لذلك لم يحسب المجلس البلدي ولا المحافظ زياد شبيب، أن الصورة التي ستسبق الصورة الميلادية هي تلك التي تفيض فيها ينابيع «البراز» على طول كورنيش الرملة البيضاء. قد يعتقد البعض أن في الأمر مبالغة، ولكن ما حصل يوم أمس، هو طوفان المجارير وخروجها من «الريغارات» على شكل نافورة، لينتشر البراز بعدها على كامل الكورنيش ويأخذ أحياناً شكل شلالات... من القذارة!
قد يقول البعض أيضاً، إن ما سبق أمر أكثر من طبيعي ويتكرر كل عام عند هطول الأمطار. ولكن ما لا يعرفه كثيرون، أن سبب انسداد «الريغارات» هو فِعل رجل الأعمال وسام عاشور، صاحب بناء الـ«إيدين باي» الذائع الصيت، والذي بات اليوم منتجعاً على شاطئ الرملة البيضاء. فعاشور، وقبيل افتتاح منتجعه في أواخر حزيران الماضي، حرص على أن يكون منظر الفندق من جميع الجهات متكاملاً وجميلاً. فقام عمال من قبله، بغطاء من شرطة بيروت والبلدية والمحافظ ومجلس الإنماء والإعمار، برمي 2 طن من الباطون في ريغار الرملة البيضاء الأساسي، وذلك حتى يخفي منظر المجرور المحاذي لـ«تحفته» المنصوبة على الشاطئ.
وخلال جلسة دعا إليها شبيب وممثل عن مجلس الإنماء والإعمار (المسؤول عن شبكة المجارير ضمن نطاق بيروت) واتحاد بلديات الضاحية ممثلاً ببلدية الغبيري، اتخذ أمر تحويل المجرور الشهير الى منطقة السان سيمون. وقضت الخطة بأن يحول المجرور إلى محطة السان سيمون، حيث يسكن الفقراء الذين لا يصل صدى صوتهم الى أي كان، على أن يتم ضخ القذارة مجدداً الى محطة الغدير. لكن أسقط الحاضرون من بالهم، أن محطة السان سيمون لا تعمل، وبالتالي لا يمكنها استيعاب المجارير التي تصل إليها، ولا قدرة لها على الضخ الى محطة أخرى. وعندما فاضت رائحة المجارير في حي السان سيمون المنكوب، وارتفعت الاحتجاجات، طلب رئيس بلدية الغبيري إعادة الوضع الى ما كان عليه قبيل افتتاح مبنى الـ«ايدن باي». إلّا أن عاشور رفض طلب بلدية الغبيري، فأذعنت بلدية بيروت للرفض، وتم تحويل المجرور إلى قرب «الغران كافيه». هكذا، سخّر محافظ بيروت وبلديتها ومجلس الإنماء والإعمار قدراتهم لإرضاء أحد رجال الأعمال الأثرياء على حساب آلاف اللبنانيين الذين علقوا أمس داخل سياراتهم نتيجة التحضير لعيد الاستقلال... وفيضان البراز على الكورنيش!
أما شبيب، الذي أمن الغطاء سابقاً لعاشور كي يتمكن من إغلاق المجرور، فقرر يوم أمس التمادي بهذه «المسرحية»، وأصدر بياناً أعلن فيه تكليف «دائرة المراقبة في مصلحة الهندسة في بلدية بيروت» إجراء تحقيق فني وهندسي في أسباب فيضان مياه المجارير في الرملة البيضاء. فتح شبيب تحقيقاً مع نفسه؟ ليس ذلك بغريب عنه، فمنذ نحو شهرين، طلب محافظ بيروت فتح تحقيق لمعرفة الجهة التي أتاحت للمديرية العامة للأمن العام الحفر في أرض تابعة لحرج بيروت، فيما كان هو نفسه من أعطى موافقته لإشغال جزء من هذا العقار في عام 2015. وسبق لمصلحة الهندسة في البلدية أن أصدرت تقريراً يوصي بهدم مبنى عاشور المخالف للقانون من دون أن يعيره المحافظ أي أهمية. فعاشور تمكن من بناء منشأته عبر رخصة حصل عليها من شبيب، ليفتتح منتجعه لاحقاً على مرأى من «رجالات الدولة» من دون الاستحصال على رخصة إسكان وسياحة. وها هو الآن يكبّد الدولة اللبنانية مصاريف بغنى عنها لإعادة فتح الريغار وتغيير «القساطل» والحفر من جديد.
تم تحويل مجرور الرملة إلى محطة السان سيمون، التي لا تعمل، فعمّت الروائح الكريهة الحيّ المنكوب


«الأخبار» اتصلت بشبيب ورئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، من دون أن تتلقى رداً من أي منهما، فيما حمّل الناشط البيئي المتابع لقضايا الملك العام، رجا نجيم، في حديث الى «الأخبار» مسؤولية ما يحصل من واقع المخالفات على شاطئ الرملة البيضاء وإقفال الريغار بالباطون لمحافظ بيروت وعيتاني، قائلاً: «كلامي بمثابة إخبار للتفتيش والنيابة العامة لمحاسبة الرجلين».
ولم يبقَ بيان شبيب وحيداً، إذ لاقته البلدية سريعاً في منتصف الطريق عبر جلسة استثنائية دعا إليها عيتاني وموضوعها الرئيسي مناقشة موضوع فيضان المجارير في بيروت. إلّا أن أحداً لا يعرف لماذا حملت الجلسة صفة «الاستثناء»، ما دام الأمر نفسه حصل عند أول هطول للأمطار منذ نحو شهر، من دون أن يتأهب أي من الخائفين على صورة العاصمة ومن دون أن يعالجوا أمر الريغار. المهم، انعقدت الجلسة، وتقرر على أثرها الموافقة على طلب الإدارة «إجراء تحقيق مفصل بخصوص طوفان المجارير وخطوط تصريف الأمطار في مدينة بيروت وخاصة في جادة الرئيس رفيق الحريري الناتج من تسكير المجرور الرئيسي، الذي تصب فيه الأمطار أيضاً بعدما تبين أنه سُدّ بالباطون». كذلك أوصى القرار بأن «يتم التحقق من هوية الأشخاص الذين قاموا بهذه الأعمال والشركاء والمقصرين للادعاء عليهم أمام المحاكم الجزائية». أحد أعضاء البلدية، في اتصال مع «الأخبار»، حمّل محافظ بيروت مسؤولية ما جرى، مؤكّداً أن شبيب هو من منح عاشور الضوء الأخضر للتمادي في تعدياته. وأضاف إن «الرئيس سعد الحريري أوصى البلدية بكسر الريغار وإحالة كل من يظهره التحقيق مسؤولاً الى القضاء». يحصل ذلك في ظل صمت التفتيش المركزي، الذي كان قد تلقى إخباراً من المحامي وديع عقل بكل ما يخصّ إنشاءات الـ«ايدن باي»، من دون أن يحرك ساكناً.