في 24 تشرين الأول 2018، أصدر وزير الصحة غسان حاصباني قراراً بتكليف لجنة للإشراف مؤقتاً على إدارة «مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان» في شبعا. حمل القرار الرقم 2133/1 وعُين بموجبه كل من: الدكتور محمد عبد الله ماضي رئيساً ومديراً للمستشفى، راغد نديم العدس وعادل إبراهيم الخماسي والياس مارون الكسرواني أعضاء، والدكتورة ندى محمد حمد مفوضاً للحكومة لدى المستشفى.ومعلوم أن مستشفى شبعا هو مستشفى حكومي، عقد وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور اتفاقاً مع دولة الإمارات ممثلة بسفيرها في لبنان لإدارته وتشغيله، في مخالفة للقوانين والأنظمة الراعية للمستشفيات الحكومية ولقرار مجلس الوزراء الرقم 49 (5/1/2012) الذي أكدّ على ضرورة «إنشاء مؤسسة عامة» لإدارة المستشفى. في موازاة ذلك، ومن دون المرور أيضاً بأي جهة لبنانية رسمية، وُقعت اتفاقية ثانية بين السفير الإماراتي وجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، تعهدت الإمارات بموجبها بدفع مليون دولار سنوياً لـ«المقاصد» لإدارة المستشفى لمدة عشر سنوات، ما يعني أن المستشفى الحكومي بات في عهدة سفارة أجنبية ومؤسسة خاصة، فيما خصصت له وزارة الصحة سقفاً مالياً بقيمة 950 مليون ليرة، علماً بأنه ليس هناك أي عقد بين الوزارة والمستشفى الذي لم يستحصل من «الصحة»، أصلاً، على رخص لتشغيل أقسامه! (راجع الأخبار الأربعاء 10 تشرين الأول 2018).
بدل أن يصلح وزير الصحة غسان حاصباني هذا الخلل، اختار السير على خطى أسلافه في ضرب مؤسسات الدولة وإضعافها. إذ إن تعيين مجالس إدارة المستشفيات الحكومية يقتضي موافقة مجلس الوزراء، لا قراراً من الوزير نفسه. وإذا سلّمنا جدلاً بتذرّع حاصباني بأن اللجنة مؤقتة ريثما يتم تعيين مجلس إدارة بمرسوم يصدر عن الحكومة الجديدة، فإن ما ليس مفهوماً هو أن يختار وزير الصحة أعضاء اللجنة غير القانونية، بشكل مخالف للقانون أيضاً!
فالعدس خبير محاسبة مجاز لدى المحاكم. ووفقاً للمادة 15 من قانون تنظيم مهنة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، «يحظر على الخبير أن يجمع بين مهنته كخبير محاسبة مجاز وبين الوظائف العامة على إطلاقها، بما في ذلك المؤسسات العامة والبلديات». كما أن مكتب العدس معتمد في وزارة المال وصُنّف كخبير مؤهل للقيام بمهمات التدقيق الداخلي للمؤسسات والمرافق العامة، ما يثير شبهة تضارب المصالح واستغلال السلطة.
أما الخماسي فقد كان عضواً في مجلس إدارة مستشفى حاصبيا الحكومي الذي وجد التفتيش المركزي (القرار الرقم 78/2011) في سجّلاته أعمالاً «مخالفة للقوانين»، وتلاعباً بالفواتير والمستندات والتسبب في عجز المستشفى وانهياره المالي. وقد تقرر، إثر ذلك، إحالة مدير المستشفى أمام الهيئة العليا للتأديب وإحالة رئيس مجلس الإدارة وأحد الأعضاء (الخماسي) أمام ديوان المحاسبة. وأوصى تقرير التفتيش المركزي بتعيين مجلس إدارة جديد، على ألا يضم الرئيس والأعضاء الحاليين، وأُبلغ هذا القرار الى إدارة المستشفى والنيابة العامة التمييزية والهيئة العليا للتأديب وديوان المحاسبة ووزارة الصحة ومجلس الخدمة المدنية.
العضو الثالث الياس مارون الكسرواني يشغل منصب عضو اختياري في قضاء مرجعيون، وهو يحلّ مكان المختار في غيابه، وينطبق عليه القانون الذي ينصّ على أنه «لا يمكن الجمع بين وظيفة مختار ووظيفة عضو مجلس بلدي أو عضو مجلس إدارة أو أي وظيفة عامة. وإذا اتفق أن اجتمعت الوظيفتان لأحد، يمنح المنتخب مهلة سبعة أيام ليختار إحداهما. وإذا انقضت هذه المهلة ولم يفعل، يُعد متخلياً حكماً عن الوظيفة الأقدم تاريخاً».
أحد الأعضاء المعينين في اللجنة «المؤقتة» أحيل سابقاً على ديوان المحاسبة


ندى محمد حمد هي أيضاً موظفة متعاقدة مع وزارة الصحة، فيما تفرض شروط منصب مفوض الحكومة لدى المستشفى أن يكون من ضمن ملاك الموظفين. فضلاً عن أنها أصلاً تشغل منصب طبيبة قضاء خلافاً للقانون الذي يحتم على الطبيب أن يكون رئيساً لقسم الصحة في القضاء.
ختام مسك مستشفى شبعا مع رئيسه ومديره محمد عبد الله ماضي الذي لا يتمتع بمؤهلات المنصب، ومنها ثلاث سنوات خبرة في إدارة المستشفيات. ومعلوم أن ماضي ينتمي الى تيار المستقبل (رئيس اللجنة السابقة كان تابعاً أيضاً للتيار نفسه) الذي يصر على الإمساك بمستشفى شبعا. وهو، فور تعيينه، رتّب جولة في المستشفى لمرشح المستقبل الخاسر في الانتخابات النيابية رجل الأعمال عماد الخطيب، من دون توضيح صفة الأخير للقيام بالجولة.
الثابت الوحيد أن الأطراف السياسية المعنية تعطي أولوية للتحاصص على حل أزمة المستشفى المعطّل. ويبدو واضحاً أن وزير الصحة القواتي، ومعه تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي (برعاية السفير الإماراتي ربما)، لم يعنهم القانون بقدر ما يعنيهم «ترتيب» الأمور على عجل خلال فترة تصريف الأعمال، ولو خلافاً للقانون، من دون اعتبار لصفة «المؤقت»... في بلد كل مؤقت فيه دائم.