الخبر مفرح بالطبع، فأن تتراجع المديرية العامة للأمن العام عن بناء مركز لها على العقار رقم 1925 حيث يقع حرج بيروت، أمر يسجل لها. لم تسر المديرية على خطى قوى الأمن الداخلي التي استولت على جزء من العقار منذ عام 2008 بالقوة وأنشأت عليه مبنيين خلافاً للقانون، بتواطؤ مع بلدية بيروت ومحافظها آنذاك.
موافقة شبيب على إشغال المديرية العامة للأمن العام للموقع | أنقر على الصورة لتكبيرها

فالحرج، لمن لا يعلم، يقع ضمن المنطقة التاسعة التي يمنع البناء عليها، فضلاً عن أنه مصنّف موقعاً طبيعياً، ويفترض بالتالي من أي مجلس بلدي لمدينة بيروت وأي محافظ أن يكونا وصيين عليه ويمنعا استباحته. لكن منذ سنوات تجري الأمور عكس ذلك، ويصدف أن المجالس البلدية المتعاقبة تتعاقب على تشريع المخالفات بحق هذا العقار.
أمس، عمّت الاحتفالات بلدية بيروت والمحافظة، باعتبار أن وقف الأشغال في العقار 1925 واستبدال المبنى بحديقة عامة للأمن العام من إنجازاتهما، علماً أن ذلك يسجل أيضاً للمديرية. يريد كل من رئيس البلدية جمال عيتاني ومحافظ بيروت زياد شبيب أن يقنعا الجمهور بأنهما حميا الحرج بجسديهما. رغم أن الأمس القريب شاهد على الجريمة البيئية والتعديات التي ارتكبت بحق الحرج خلال ولايتهما، إذ لم يحدث أن حصلت فضيحة مماثلة، كالسماح ببناء مستوصف عسكري مصري داخل العقار أشبه ببرج مراقبة، رغم رفض كل من وزارة الدفاع ووزارة الصحة ووزارة البيئة له، فقط لأن عيتاني وشبيب يريدان ذلك لأسباب يجهلها الجميع. قبل ذلك، قضم جزء من العقار بفعل استباحة كشافة الرسالة الإسلامية له، طبعاً بموافقة من الرجلين الآنفي الذكر. لا يتعلق الأمر إذاً بحماية الأملاك العامة، خصوصاً أن عيتاني وشبيب لم يتركا أملاكاً عامة في بيروت إلا وبلّا يديهما فيها من واجهة بيروت البحرية إلى العقارات البرية. القضية فقط أن مصلحتهما اليوم لا تتناسب مع مديرية قوى الأمن العام لأسباب غير خافية، ولولا ذلك لما شرّعا الاستباحة لجهات وعارضاها لأخرى.
قبلت البلدية والمحافظ قضم قوى الأمن والمستشفى العسكري المصري لعقار الحرج


كل ذلك في كفة، وما يقوم به محافظ بيروت زياد شبيب في كفة أخرى. يبرع الأخير في أداء دور «الملاك الحارس» الحريص على مصلحة المواطنين والبيروتيين. ما إن نُمي إليه ما يجري من أعمال للحفر، حتى رفع الصوت، طالباً وقف الأشغال فوراً، رغم أن أي كتاب لم يصل إلى الداخلية ولا إلى الأمن العام. وتراه اليوم مغتبطاً بفوزه المفترض نتيجة توقف الأعمال. لكن إذا كان شبيب قد نسي، يفترض تذكيره بما يأتي: بتاريخ 25 أيلول 2015 وقّع شبيب نفسه على قرار يحمل الرقم 2194/ب يتعلق بالموافقة على إشغال أملاك عامة. ويقول القرار في مادته الأول: «رُخّص للمديرية العامة للأمن العام بإشغال جزء من العقار رقم 1925/المزرعة ـــــ ملك بلدية بيروت الواقع غربيّ مجمع قوى الأمن الداخلي في الطيونة (أي المكان الذي جرت فيه أعمال الحفر منذ أسبوع) والبالغة مساحته 1500م2 تقريباً كما هو مبيّن بالخريطة المرفقة، والذي يعتبر من الأملاك العمومية الخاضعة للقانون رقم 144/1925 لاستعماله كمركز للأمن العام لحين انتفاء الحاجة إليه». قرار شبيب يتيح للأمن العام إشغال الأرض بوضع مستوعب كبير عليها لاستعمالها كمركز أو كما يحلو له من دون الحفر، رغم أنه هو نفسه يذكر في القرار أنها أملاك عمومية ويفترض به، بصفته محافظ بيروت وقاضياً، أن يحفظ القوانين عن ظهر قلب. إلا أنه، بكل جرأة، يخرج منذ أربعة أيام لينصّب نفسه بطلاً شعبياً وكأنه لم يرتكب ما ارتكبه بحق هذه الأملاك في الأمس القريب. وكأنه ليس هو من أعطى الإذن للأمن العام بالتصرف بقسم من العقار خلافاً لكل القوانين ومن دون الرجوع إلى البلدية، صاحبة العقار. لذلك، المحاسبة باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، محاسبة المحافظ زياد شبيب ورئيس بلدية بيروت جمال عيتاني والأعضاء الذين يبصمون له على بياض، لضمان حماية ما بقي من ساحات عامة وردع أي جهة مستقبلاً عن استسهال استباحة أملاك الشعب.