«الحيوية البحثية» التي يعمل عليها المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، تصطدم بكلام للطلاب عن الإستنساب في اختيار المقبولين على أساس مراعاة التوزيع الطائفي. هذا العام، مثلاً، طال انتظار أديب محفوض، مرشح للدكتوراه في التربية، موعد المقابلة الشفهية بعدما قام، كما يؤكد، بما يلزم من قراءات واستعدادات لضمان مستوى جيد في النقاش. لكنه فوجئ بأن اللجنة البحثية أنهت أعمالها وأصدرت النتيجة من دون استدعائه للمقابلة. مرشح «الحقوق» سأل: «إذا كان السبب الفعلي لاستبعادي هو إلغاء إدارة المعهد «للمسارات المفتوحة» (الطالب يستطيع نيل الدكتوراه في التربية مهما كان اختصاصه)، فلماذا قبلت اللجنة مرشحاً آخر رغم أنّ اختصاصه هندسة؟»، لافتاً الى ان المرشح المقبول في إحدى المؤسسات التربوية المحسوبة على أحد الأحزاب السياسية.
استبعاد غير أكاديمي؟
ماجد جابر، أحد «المستبعدين» من لجنة التربية أيضاً، والحائز شهادتي ماجستير بحثية في التربية من الجامعة اللبنانية، تحدث عن «ملابسات» رافقت حكاية التسجيل. بعدما خضع للمقابلة الشفهية، كانت النتيجة القبول شرط إجراء بعض التعديلات (وهو يملك مستنداً خطياً بذلك). وينقل عن رئيس اللجنة أنه أبلغه بأن يعد نفسه من المقبولين ويستعد للتسجيل. تواصل مع المشرف ووضعه في صورة التعديلات، فطلب منه الأخير إضافات تغني البحث العتيد، وعليه جمع معلومات إحصائية لمدة 3 أشهر ونصف شهر. بعدها، رفع 5 نسخ معدلة إلى المعهد، بناءً على طلب المشرف، تمهيداً للتسجيل. بعد نحو شهر، فأرسل له المشرف يبلغه عبر البريد الالكتروني بعدم إمكان مباشرة تسجيله الإداري لهذا العام بسبب تجاوز العدد الأقصى المسموح به للتسجيل تحت إشرافه (4 طلاب). بحث جابر عن مشرف آخر وحين اختار أحد الأساتذة المتقاعدين في مجال اختصاصه قيل له إنّ ثمة مشكلة في المشرف كون الوقت الذي تستغرقه أطروحات الدكتوراه تحت إشرافه يطول كثيراً. بعد عناء، وضع اسم مشرف ثانٍ رُفض هو الآخر لكون اختصاصه ليس ضمن الاختصاص الدقيق للمرشح. المفارقة التي يتحدث عنها الطالب أن ملفه اختفى من المعهد بعد اقصاء المشرف الأول!

معايير قبول علنية
بالنسبة إلى فئة واسعة من الطلاب اللبنانيين، يشكل المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الفرصة الوحيدة للترقي المهني والاجتماعي، وبالتالي فإنّ تحديد عدد المقبولين سلفاً أثار احتجاجاً في صفوف البعض باعتبار «أن الدكتوراه درجة علمية ولا يحق لأحد أن يمنعنا من متابعتها حتى لو أردنا تعليق الشهادة على الحائط».
إلاّ أن لعميد المعهد بالتكليف، محمد محسن، والفريق البحثي رأياً آخر. إذ لا يدرجون الدكتوراه في باب حق التعلم وديموقراطية التعليم، «فليس من العدل أن يأخذ الجميع دكتوراه، لكونها شهادة تتطلب إضافة معرفة جديدة إلى المخزون المعرفي للإنسانية، وبالتالي مهمة اللجان البحثية هي استكشاف البنية المعرفية للطالب وقدرته على القيام ببحث معمق».
من هنا فإنّ التسجيل، بحسب محسن، ليس أوتوماتيكياً، بل يمر في مراحل ثلاث وهي: دراسة الملف (20 علامة)، المقابلة الشفهية (20 علامة) ودراسة مخطط البحث (60 علامة). وتدرس 13 لجنة بحثية تضم 103 أساتذة مشاريع الأطروحات في 27 اختصاصاً، ومن ثم ترفعها إلى المجلس العلمي الذي يقر النتائج. وكشف أنّ هناك توجهاً لترشيق عدد أعضاء اللجان.
عميد المعهد بالتكليف: القياس علمي بحت والاختيار يجري وفق معايير أكاديمية علنية وشفافة


لكن ما حكاية «المطبخ النهائي» الذي يغربل الأسماء وفق اعتبارات سياسية وطائفية؟ يستغرب محسن هذه الضجة جازماً بأن «القياس علمي بحت والاختيار يجري وفق معايير أكاديمية علنية وشفافة، ولدي ملء الثقة باستقلالية اللجان وبعدها عن الاستنسابية الطائفية والحزبية». وأكد أنه يعكف، منذ توليه العمادة قبل سنتين ونصف سنة، على «إنجاز التنظيم الإداري للمعهد بمجموعة تعاميم وإجراءات تطويرية بدأنا تطبيقها بخطوات ثابتة وإن بطيئة، ضمن خطة إعادة هيكلة واضحة». تقليص العدد، وفق محسن، يندرج في خانة «مراعاة الطاقة الاستيعابية، فالبناء غير مؤهل والمكتبة صغيرة، وعدد الأساتذة المشرفين برتبة أستاذ لا يكفي». ولفت إلى «إصدار التعميم 22 الذي يسمح للأستاذ المشرف بـ7 طلاب كحد أقصى، في حين أنه في الماضي كان الأستاذ يتابع 17 طالباً و24 طالباً في السنة الواحدة، وهذا غير منطقي أكاديمياً ومالياً».

فتح المسارات بين الاختصاصات
يؤكد محسن «أننا نخوض هذا العام تجربة جديدة وهي فتح المسارات بين الموضوعات وليس بين الأساتذة، أي أنّ الطالب يجب أن يختار الأستاذ من اللجنة البحثية لاختصاصه، وبدأنا نعتمد سياسة المحاور البحثية وإن كان بعض الطلاب لا يزالون يختارون موضوعاتهم من خارجها». وعزا الاقبال الكثيف على الدكتوراه إلى تشعب الماسترات وزيادتها من دون دراسة فعلية لحاجات الجامعة والسوق.
ماذا حصل هذا العام؟ يوضح محسن أنها المرة الأولى التي يحال فيها مخطط البحث إلى قارئ أول وقارئ ثان لضمان حقوق الطلاب، فيما عدد المقبولين (90 طالباً) «حدده مجلس الجامعة في السنة الماضية وليس نحن. ما جرى عملياً أننا راعينا الحاجات في توزيع الكوتا على الاختصاصات. ففي اللغة العربية وآدابها مثلاً لدينا حالياً نحو 220 طالب دكتوراه في طور انجاز الأطروحات، لذلك أخذنا 10 طلاب فقط من 75 مرشحاً، علماً بأن معدل نجاح المقبولين كان 86 وما فوق، وهو ما أثار النقمة علينا لكون هناك 20 مرشحاً آخرين نالوا 80 من 100 (معدل القبول المعتمد) ولم نأخذهم. في المقابل، الكوتا المحددة لطلاب اللغة الإنكليزية وآدابها كانت 3 طلاب، إلاّ أننا أخذنا 8 من أصل 10 مرشحين، نظراً لحاجة الجامعة لهؤلاء، وكذلك بالنسبة إلى اختصاص الجغرافيا، إذ أخذنا 8 من أصل 26 مرشحاً». وعن أعداد الطلاب من خارج الجامعة اللبنانية، قال إنّ هناك 18 من الجامعات الخاصة (20 %) و4 طلاب عرب (4.4 %).