دخل إلى قاعة المحكمة شاهداً، و«خرج» منها مدّعىً عليه. هذه خلاصة أربع ساعات من استجواب طبيب الأعصاب والدماغ المختص بطبّ الأطفال في مستشفى القديس جاورجيوس غسان خ. للإدلاء بـ«رأيه العلمي» في الجراحة التي أجراها زملاء له للطفلة صوفي مشلب، وسببت لها ضرراً دماغياً وكلوياً.
الادعاء جاء ضمن الدعوى الثالثة التي يرفعها والد صوفي

أول من أمس، «جرّدت» المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب الطبيب غسان خ. (شخّص إصابة مشلب بالشلل الدماغي بعد أيامٍ من العملية)، من صفة «الشاهد»، وادّعت عليه بجرم «إعطاء إفادة كاذبة أمام النيابة العامة في بيروت في قضية مشلب» وأحالته على القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا للمحاكمة، سنداً للمادة 408 عقوبات التي تتأرجح عقوبتها بين مادّتين. في الأولى «يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات كل من شهد أمام سلطة قضائية أو قضاء عسكري أو إداري فجزم بالباطل أو أنكر الحق أو كتم بعض أو كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها». وفي الثانية بـ«الأشغال الشاقة عشر سنوات إذا أدلى بشهادة الزور في أثناء تحقيق جنائي أو محاكمة جنائية».
الادّعاء جاء بعد «اعتراف» الطبيب بأن الجراحة التي أجريت للطفلة قبل بلوغها شهراً من العمر ألحقت بها «ضرراً أكيداً»، وهو يناقض ما أدلى به في جلسة الاستجواب الأولى أمام قاضي التحقيق في بيروت. يومها، سئل عمّا إذا كان الضرر الذي أصاب الطفلة ناتجاً من العملية الجراحية التي أجراها زملاؤه، فجاء جوابه ضبابياً، مصحوباً بكلمة «يمكن». واللافت أن الشاهد الذي استحال مدعىً عليه لا علاقة له بالخطأ الطبي. لكنّه، بحسب مصادر قضائية، «لم يشهد بالحق»، وأقسم بشرفه المهني ثم أدلى بـ«شهادة زور».
يأتي هذا الادعاء في إطار الدعوى الثالثة التي تقدّم بها والد الطفلة فوزي مشلب، أخيراً، في حقّ الطبيب بسبب «تمييعه للحقيقة»، بحسب ما ورد في نص الدعوى. وكان الوالد قد رفع دعوى على أربعة أطباء أجروا الجراحة ومستشفى القديس جاورجيوس بتهمة التسبب بخطأ طبي نتج منه ضرر مباشر بحق طفلته، كذلك ادّعى على نقيب الأطباء ريمون الصايغ، ورئيسة لجنة التحقيقات المهنية في النقابة كلود سمعان بتهمة «التزوير وإعطاء تقرير كاذب وإخفاء مستندات أساسية».
الدعاوى الثلاث يحملها الوالد وحيداً، مدافعاً عن حقّ ابنته في وجه نظامٍ فاسد. «حمل ثقيل»، كما يقول الوالد، عليه أن يحميه، في بعض الأحيان، بـ«الواسطة»، كي يعيد تصويب القضاء. يمشي وحيداً نحو الجلسات «التي يتغيّب عنها المدعى عليهم، محاولين في كل مرّة التأجيل». 3 سنواتٍ من التهرّب والمماطلة، تكبر معها صوفي عمراً ووجعاً. ينظر والدها إليها تكبر حجماً، فيما حركتها معطلة. يقول: «بدها تضل حدا حاملها، ما بدا تقعد». الحمل كبير «بس نحنا حاملينو»، يقول الوالد بحزن. مع ذلك، ما يعزيه هو خروج قضية ابنته من خانة القضاء والقدر إلى خانة الخطأ الطبي. وهذه بالنسبة إلبه «سابقة» قد تغيّر، مع الوقت، شيئاً في النظام الصحي الفاشل.