«على بعل»، عاشت صناديق مدارس ابتدائية رسمية كثيرة في الأشهر الستة الماضية. منذ أيام قليلة فحسب، أي قبل أقل من شهرين من انتهاء العام الدراسي، «أُنعم» على الصناديق بـ 50 في المئة من الأموال المتوجبة على الدولة (150 ألف ليرة عن كل تلميذ) عن التلامذة اللبنانيين في دوام قبل الظهر فقط. التأخير يحصل عادة، لكنه لم يسبق أن طال إلى هذا الحد، بحسب المديرين، فيما القانون يقسّم مساهمة الدولة إلى دفعتين: 50 في المئة تعطى في بداية السنة الدراسية بناءً على أعداد جميع التلامذة اللبنانيين وغير اللبنانيين في العام الماضي، بينما تدفع الـ 50 في المئة الثانية، أوائل شباط، عندما تكتمل أعمال التسجيل.
المتوجبات على الصناديق تفوق المداخيل، ما يتسبب بعجز، فما هو مطلوب من هذه الصناديق تحديداً؟
كل ما يمكن أن يخطر في البال من مصاريف لتسيير أمور المدارس الرسمية. فالصناديق تغطّي رواتب الحراس والعمال في المدرسة، وما يستحق عنهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومستحقات عمال المكننة، ومبالغ تأمين التلامذة في الحوادث الطارئة، وتكاليف الكهرباء والتدفئة والمياه والصيانة والقرطاسية والطبشور ومواد التنظيف والأدوات المكتبية والإلكترونية وتصوير الأوراق والمستندات والنشاطات اللاصفّية والرياضية.
مصادر الوزارة تهون من المشكلة وتلوم «إسراف» بعض المديرين


الصناديق باتت مكسورة على عشرات الملايين، خصوصاً أن الدول المانحة لم تدفع مستحقات مدارس تعليم السوريين بعد الظهر ايضاً. الديون المتراكمة على عاتق المديرين، لا سيما في المدارس الصغيرة، جعلتهم في الاسابيع الأخيرة يفكرون باقفال مدارسهم وتسليم مفاتيحها لوزارة التربية. «حتى الفتات الذي وصلنا أخيراً لا يكفي لسداد الديون في بعض الصناديق»، يقول حسين جواد، وهو مدير مدرسة ومسؤول رابطة المعلمين في الجنوب والنبطية. فبعد انتظار 6 أشهر، لم تحظ إحدى المدارس، مثلاً، بأكثر من 30 مليون ليرة من أصل 137 مليوناً، اي أقل من ربع المبلغ المستحق لها.
لا تحتمل المتوجبات الأساسية تأخيراً، بحسب جواد، «فنحن مطالبون بدفع رواتب العمال والحراس وتكاليف الكهرباء والتدفئة من جيوبنا ومن لقمة أولادنا». واللافت ما يشير إليه لجهة أن المال الذي يفترض أن يتنعم به طلاب هذا العام يستفيد منه طلاب العام المقبل.
«المفارقة» التي يتحدث عنها أحمد خليل، مسؤول فرع الرابطة في البقاع، «أننا بتنا نتدين برميل المازوت ونتوسل صاحب محطة البنزين ليصبر علينا، كما نقع احياناً تحت رحمة صاحب المكتبة الذي يحجم عن تسليمنا الكتب لأننا غير قادرين على دفع أثمانها». الأزمة تفاقمت، بحسب خليل، مع تدفق أعداد التلامذة السوريين إلى المدرسة الرسمية، يضاف إلى ذلك غياب التخطيط في توزيع المدارس، ومناقلات المعلمين وتجميد إعدادهم أكثر من 15 سنة لاعتبارات غير تربوية، واطلاق هستيريا زيادة أعداد المتعاقدين تحت الطاولة، وكلها عوامل ساهمت في الانهيار.
عدم انتظام مالية المدرسة يؤدي إلى مضاعفات عدة، أبرزها التقشف في غير محله. ما يحصل عملياً، بحسب أحد المديرين، هو أن المدارس قد تؤمن المصاريف التشغيلية الدقيقة ليس إلاّ، وليس بمقدورها أن تفكر بالناحية التطويرية مثل شراء التجهيزات وما شابه.
مصادر وزارة التربية توضح أن المشكلة ليست عندها، وهي أعدت جداول الدفعة الأولى منذ تشرين الأول الماضي و«عملت برمتها» الروتينية!
ترفض المصادر مقاربة المسألة لجهة وضع المدارس كلها في سلة واحدة. «فهناك مدارس تحتوي صناديقها على مبالغ كبيرة وهي قادرة على تسيير أمورها التشغيلية والتطويرية على السواء. وهناك صناديق أخرى خاوية لأنّ المدارس نفسها متعثرة ويجب أن تقفل». وتسأل: «كيف يمكن لمدرسة تضم 40 تلميذاً أن تقوم بالمتوجبات نفسها لمدرسة تضم 500 تلميذ؟». المصادر نفسها تؤكد: «صحيح أنّ حجم الإنفاق في بعض المدارس كبير نتيجة وجود بعض المتطلبات لا سيما إيجارات المباني وغيرها، لكن الأمر يتعلق بشخصية المدير نفسه. فهناك مديرون قديرون وآخرون ينفقون أكثر مما يجب، والأمر هنا يحتاج برأينا إلى رقابة من المنطقة التربوية على النفقات! مع ذلك هناك، بحسب معلوماتنا، مدارس كبيرة تدعم مدارس صغيرة وتحوّل لها أموالاً من صناديقها».
للكتب قصة أخرى، بحسب المصادر، فهي لم تتأخر لعدم دفع مستحقات أصحاب المكتبات فحسب، بل هناك مشكلة في طريقة التوزيع وسوء تقدير أعداد التلامذة المسجلين، وبالتالي عدم طباعة النسخ المطلوبة.