86 مليون دولار هي قيمة قرض ميسَّر (ربعه عبارة عن هبة) حصلت عليه الحكومة اللبنانيّة من «البنك الإسلامي للتنمية»، لاستكمال مشاريع البنية التحتيّة واللوجستيّة في مرفأ طرابلس، وهي أعمال انطلقت في وقت سابق، بعد عقود من الإهمال، وشملت توسيع رصيف الحاويات إلى 600 متر، وتعميق حوض المرفأ نحو 15.5 متراً، ما رفع إيرادات المرفأ خلال النصف الأول من العام الحالي، فضلاً عن تجهيزه برافعات عملاقة، وإضافة خدمات تنافسيّة عدّة، كتخصيص مساحة لإصلاح السفن غير المتوافرة في المرافئ المجاورة، ما يُسهم في خلق دورة اقتصاديّة متناميّة تستفيد منها منطقة الشمال.
يهدف المشروع الراهن إلى توسيع المنطقة اللوجستيّة وتجهيزها، واستحداث مواقف للشاحنات الداخليّة والخارجيّة، وباحات للحاويات، وإنشاء مجمّع من الأبنية الإداريّة، وتطوير واستكمال الخدمات الإلكترونيّة والسكانر لفحص البضائع، في إطار تحويل هذا المرفق العامّ إلى مرفأ لوجستي حيوي، فضلاً عن إنشاء جسرين لربط المرفأ بأوتستراد الحزام الغربي؛ أحدهما مخصّص لخروج السيارات من المرفأ، والآخر لدخول وخروج الشاحنات مباشرة إلى الطريق السريع الرئيسي، لتفادي الازدحام المروري الذي قد تسبّبه حركة المرفأ. مع العلم أن مرفأ طرابلس حائز شهادات جودة، بحسب مسؤولة قسم الصحّة والسلامة والبيئة في المرفأ، ديما مرعبي، ويسعى إلى الحصول على شهادات أخرى في السلامة الوظيفيّة والإدارة البيئيّة، بحيث استحدث مختبراً بيئياً خاصاً زُوِّد بتجهيزات قياس مؤشرات تلوث المياه، ومستوى الضجيج للعمل على خفضه، فيما يجري العمل على استكمال باقي التجهيزات المطلوبة، لتبقى الملوّثات الخارجيّة المتمثلة بمكبّ النفايات المتاخم له، والصرف الصحي الذي يصبّ بقربه، بحاجة لتدخل عاجل للحدّ من التلوث وتأثيراته على عمل المرفأ وعلى البيئة البحريّة».

مقوّمات المشروع!

«يندرج مرفأ طرابلس ضمن مشروع تكاملي يربط بين المرافئ اللبنانيّة»، بحسب ما يشير مدير مرفأ طرابلس، أحمد تامر، لـ«الأخبار»، باعتبار أن «المنافسة محليّاً خاضعة لمبدأ التوزيع العادل، فيما هي قائمة إقليميّاً بهدف استقدام المستثمرين بدلاً من الذهاب إلى المرافئ المجاورة في مصر وتركيا وسوريا، وحتى إسرائيل».

تامر: إذا تأخرنا بالتنفيذ سنضيّع فرصاً
استثماريّة مهمّة
ويتابع تامر: «سنستفيد من خدمة القيمة المضافة والأساسيّة التي ستقدمها المنطقة الاقتصاديّة الخاصة في طرابلس، مع احتمال إنشاء مناطق اقتصاديّة أخرى في عكار والبترون، وهو ما يعني استيراد مواد أوليّة وتصنيعها بالمراكز التصنيعيّة والتحويليّة ليعاد تصديرها، ما قد يشكّل مصدر جذب كبير للمستثمرين».
يعدُّ موقع طرابلس من العوامل الأساسيّة التي تمدُّ المرفأ بأفضلية تنافسيّة لجذب الاستثمارات، بحسب تامر، لكونه يتمتع بخلفيّة لوجستيّة كبيرة لناحية محافظة عكّار، وخلفيّة أخرى مماثلة في محافظة الشمال، «وهو ما يرفع احتمالات تحوّله إلى أهم المواقع الاقتصاديّة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، بعد معالجة نقاط الضعف في طرابلس، عبر تأمين الأعمال السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ووضع سياسة اقتصاديّة وطنيّة عامّة، توزّع هذه الأنشطة بين المناطق والأقضيّة بما يتلاءم مع مقومات كلّ منها ومواردها». ويرى تامر أن «إنشاء مناطق اقتصاديّة على الساحل اللبناني في كلّ من عكار والبترون، لا يشكّل عنصر منافسة ضاغط على المنطقة الاقتصاديّة الخاصّة في طرابلس، لكون المساحة المخصّصة للمنطقة الاقتصاديّة في طرابلس والبالغة 550 ألف متر مربّع، غير كافية لإقامة منطقة متعدّدة الاختصاصات، لذا لا بد من خلق امتداد للمرفأ كحوض جاف وإن كان بعيداً عنه، على أن يرتبط به من طريق سكّة الحديد».

مشروع القطار حيوي

يُعدّ القطار مشروعاً حيوياً ومُلحّاً لمرفأ طرابلس أولاً، لكون الخطّ الأساسي لطرابلس يخدم مناطق حمص حماه وبغداد، وصولاً إلى الخليج العربي، ولمرفأ بيروت أيضاً، لتأمين خدمة الداخل السوري وتحديداً دمشق والأردن. فحالياً تستثمر إسرائيل ملياراً و200 مليون دولار في تطوير مرفأ جنود وإنشاء خطّ سكّة حديد يصل بينه وبين حيفا وإيلات على البحر الأحمر، فيما خصّصت تركيا مئات المليارات لاستثمارات مماثلة، وهو ما يستند إليه تامر لتبني مشروع تطوير سكّة الحديد، مشيراً إلى أن «الوقت الحالي هو الأنسب لتجهيز البنية الاقتصاديّة للمرحلة المقبلة، فالحرب السوريّة لا بدّ وأن تنتهي، وسنجد أنفسنا بحاجة لسكّة حديد يستغرق إنشاؤها عامين على الأقل، فإن تأخرنا بالتنفيذ سنضيّع فرصاً استثماريّة مهمّة، ستحصل عليها دول أخرى مجهّزة ومستعدّة لتقديم الخدمات». ويتابع تامر: «الفرص مضمونة، إذا استعددنا في الوقت المناسب، لأن إعادة إعمار سوريا تحتاج بين 40 إلى 50 مليون طن بضائع سنوياً، بينما مرافئ سوريا لا تستوعب سوى 10 مليون طن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المرافئ اللبنانيّة الحاليّة، ما يعني وجود بين 20 إلى 30 مليون طن من البضائع التي ستضطر سوريا إلى تأمينها من مرافئ أخرى. كذلك إن إعادة إعمار سوريا أمر مرحلي ستتحقّق من خلاله فرص مستدامة لإيصال البضائع إلى بغداد وأربيل وسوريا».