10 شبان مضربين عن الطعام منذ 14 يوماً، وحتى الآن لم يفلح هذا الضغط الأخلاقي في حثّ وزير البيئة محمد المشنوق على تقديم استقالته، علماً بأنّ مخاطر جدّية بدأت تهدد هؤلاء المحتجين، وهناك إمكانية لتعرّض أعضاء حيوية في أجسادهم لضرر مباشر. في إطار الجهود المبذولة لدعمهم، يقوم فريق من الأطباء المتطوعين بمراقبة وضعهم الصحي عن كثب، حيث تُجرى لهم فحوصات مخبرية، كذلك عمّم الصليب الأحمر اللبناني على متطوعيه تفقد المضربين مرتين في اليوم على الأقل، وقياس ضغط الدم لكل واحد منهم.
إلا أن الوضع الأخلاقي للوزير المشنوق، والوضع الصحي للمضربين، ليسا الوضعين الوحيدين في المشهد الماثل أمام خيمهم المنصوبة في مقابل مقر وزارة البيئة في العازارية في وسط بيروت. هناك وضع ثالث يستحق التوقّف عنده.
يقوم رئيس غرفة الصناعة والتجارة محمد شقير (وهو محسوب على تيار المستقبل) بدور غامض يهدف إلى «حل» قضية المضربين عن الطعام. يروي المضربون عن الطعام أن المحامي إيلي رزق قام بزيارة مفاجئة لهم ظهر الجمعة الماضي، وأبلغهم أنه موفد من قبل شقير. أمّا سبب الزيارة، فهو دعوتهم إلى اجتماع يضم كلاً من وزير البيئة ووزير الزراعة والمحامي خطار طربيه من مجموعة «طلعت ريحتكم».
حاول رزق إقناع المضربين بأهمية حضورهم هذا الاجتماع، وأبلغهم أنه سيعقد عند الرابعة من بعد ظهر اليوم نفسه في مكتب وزير البيئة!
رفض المضربون عن الطعام الدعوة، بل رفضوا أي لقاء مع أي طرف في السلطة، ورددوا أنهم «باقيين هون حتى يسقط الوزير».
التقت «الأخبار» المضربين أمس، وقالوا إنهم شعروا بوجود محاولة للاستدراج والرشوة، إذ بعد مرور ساعة ونصف ساعة من محاولات رزق لإقناع الشبان بحضور الاجتماع والإصرار على إفهامهم أن ذلك مغطّى من مجموعة «طلعت ريحتكم»، بدليل مشاركة خطار طربية فيه، حضر محمد شقير «صدفةً» إلى المكان، وبدأ حديثاً عاطفياً مع المضربين عن الطعام: «نحنا ما منقبل شبابنا تموت من الجوع والحر ونحنا قاعدين بالمكيف (...) لو أنا الوزير كنت بنزل من أول يوم لعندكن، شفقت عليكن».
يروي الشبان أن شقير كرر أمامهم أن «طلعت ريحتكم» ممثلة بطربيه ستحضر الاجتماع، وحاول الضغط عليهم بالقول: إذا مجموعة طلعت ريحتكم مشاركة في الاجتماع، فلماذا أنتم لا تريدون المشاركة؟

شقير أبلغ المضربين عن الطعام أن خطار طربيه سيكون حاضراً في الاجتماع

تغلغل الشك إلى نفوس الشبان. يقولون إن أحد الموجودين معهم سارع إلى إجراء الاتصالات مع أحد أعضاء مجموعة «طلعت ريحتكم»، إلا أن الأخير نفى أن يكون أحد منهم سيلبي الدعوة إلى أي اجتماع. أبلغ المتصل المضربين عن الطعام بهذا النفي، فحصل تلاسن بين شقير وإحدى الشابات التي اتهمته بالكذب، ما أدى إلى انسحاب شقير من المكان برفقة رزق.
لم ينته الأمر عند هذا الحد. سرعان ما عاد المحامي رزق ليستكمل محاولات الإقناع: «بركي بتقتنعو وبتغيرو رأيكم، روحو على الاجتماع، شو بتخسروا؟».
يروي الشبان أن طريقة مخاطبتهم كانت تنطوي على «استغباء» واضح، إذ اعتقد شقير ورزق أنهما قادران ببساطة على إقناعهم بفضّ الإضراب عن الطعام من دون أي بحث بمطلبهم الوحيد، وهو استقالة وزير البيئة، كل ما لمّحوا إليه أنّ حفلة «كوكتيل» ستلي الاجتماع، و «بركي منتغدى سوا بعدين». يقول الشبان إنهم شعروا بالإساءة: «صرنا نجمّع بعض ونهرب من شقير، بس هو نفسه طويل ومستقتل، وصار يلحق كم واحد منا ليحكيه على جنب». يعترف بعض الشبان بأنهم شجعوا شقير على استمرار محاولاته كل هذا الوقت لأنهم تعاملوا معه بنية حسنة، خاصة أن بعضهم لا يعرفه فعلياً. ولكن في ما بعد عرفوه جيداً.
ينفي شقير في اتصال مع «الأخبار» دعوته المضربين إلى اجتماع في وزارة البيئة. يقدّم رواية أخرى، فهو زارهم لدعوتهم إلى لقاء حول موضوع النفايات حصل نهار السبت الفائت في مقر غرفة الصناعة والتجارة، لأن الدعوة للحضور وفق شقير هي «لكل من له الفضل في الضغط لإقرار خطة النفايات»، ولفت إلى أن «طلعت ريحتكم» لبّت هذه الدعوة وشاركت في اللقاء.
يرفض شقير وضع زيارته في إطار إيصال أي رسالة من السلطة السياسية، فهو أراد إيصال رسالة غير سياسية، تنبع من «ضميره»، تفيد بأن استقالة الوزير «تحتاج لقرار سياسي، ولا يوجد اليوم أي قرار سياسي بذلك».
الناشط في «طلعت ريحتكم» أسعد ذبيان، نفى لـ»الأخبار» تلقي الحملة أي دعوة من شقير، مؤكداً وقوف المجموعة إلى جانب المضربين عن الطعام، وإلى جانب موقفهم الرافض لأي اجتماع مع أي وزير أو مسؤول، ويضيف أنه لم يكن هناك أي ممثل للمجموعة في أي اجتماع، إن كان في مكتب الوزير أو في غرفة التجارة والصناعة «وأي واحد كان موجود نحنا منتبرأ منه».
يصر شقير على أن هناك «شراكة» مع الحراك المدني، وهذا ما ردده أمام المضربين عن الطعام، «أنا منكم»، معتبراً أن الهيئات الاقتصادية هي كانت السباقة بإعلان نداء 25 حزيران.
قبل شقير، زار المضربين عن الطعام مستشار وزير البيئة لدعوتهم إلى مقابلة مع من يطالبون باستقالتهم ويضعون حياتهم ثمناً لذلك. رفضوا الدعوة أيضاً، ردّ المستشار بأنّ من غير المعقول على الوزير أن ينزل للقاء الشبان، مقترحاً عليهم إجراء اللقاء في نقطة «حيادية». الشبان سخروا من الفكرة، عارضين عقد اللقاء في ساحة العازارية من الجهة الداخلية، فيما كان مخطط المشنوق أن تكون هذه النقطة الحيادية هي مقر غرفة التجارة والصناعة.
في سياق متصل، سُرِّب أمس خبر عن نية وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، زيارة الخيم، ليبدأ كل منهم بالتفكير بالطريقة الملائمة لاستقبال الوزير وضمان «حسن الضيافة»، فهم متفقون على أنه غير مرحب بأي مسؤول، «فكيف إذا كان الوزير اللي أعطى الأوامر بضربنا». عزّز فرضية قيام المشنوق بهذه الزيارة انتشار أعداد كبيرة من عناصر القوى الأمنية في محيط العازارية عند الظهيرة، إلا أنهم غادروا المكان بعد ساعة من ذلك. ورغم المعنويات العالية التي يحاول المضربون إظهارها أمام عدسات الكاميرا وللزوار المتضامنين، هناك حال من التشنج والتوتر بدت ظاهرة عليهم بسبب الإرهاق الجسدي من جهة، وبسبب انتشار عناصر المخابرات التابعة للأجهزة الأمنية حول خيمهم وقيام عدد «الزائرين» باستفزاز الشبان من جهة أخرى. محصلة ذلك كانت قيام أحد الشبان بصفع مخبر تابع لمخابرات الجيش اللبناني والبصق في وجهه، هذا المخبر كان يقوم بتصوير المضربين بهاتفه الذكي، فما كان من الشبان إلا أن طردوه من المكان. وحصل تلاسن خلال النهار مع أحد المصورين التابعين لـ «مجموعة الوادي الإعلامية»، تطور إلى إشكال سرعان ما جرى احتواؤه، ويقول المضربون إن هذا المصور يستفز المعتصمين منذ 3 أيام من خلال التهليل الدائم لأحد القادة السياسيين.

احتجاج أهالي موقوفي الاحتجاجات

نفذ أهالي موقوفي تظاهرات الحراك الشعبي، أمس، اعتصاماً أمام وزارة البيئة احتجاجاً على الاستمرار في توقيف أبنائهم. أكثر من 20 متظاهراً لا يزالون محتجزين لدى السلطة، بانتظار انتهاء تحقيقات المحكمة العسكرية، بعضهم لا يزال موقوفاً منذ تظاهرة 22 آب، من دون أن يُسمح لأهاليهم بلقائهم والاطمئنان عنهم. يُذكر أن من بين الموقوفين نحو 7 قاصرين محتجزين في أماكن مختلفة. وكانت جمعية "بدائل" قد دعت الجهات المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها لحماية الأطفال خلال التحرّكات الاحتجاجية. وأشار الأهالي خلال الاعتصام إلى "مضيهم في تحركهم حتى بتّ ملفّ أبنائهم والإفراج عنهم في أسرع وقت ممكن"، كاشفين أن "أبناءهم يعاملون معاملة سيئة من قبل القوى الأمنية ولا يسمح لهم برؤيتهم".