قد تبدو سيرة تينا تيرنر (1939 -2023) الحقيقية، نابعة من تخيلات أحد الكتّاب في هوليوود: فتاة تدعى آنا ماي بولوك من بلدة ريفية في ولاية تينيسي الأميركية، والدها كان مشرفاً على المزارعين، عملت مع أسرتها في سنّ باكرة في حصاد القطن. غنّت الغوسبل في جوقة الكنيسة منذ صغرها، وفي السابعة عشرة من عمرها، اكتشفها أيك تيرنر، موسيقيّ تدرّب على يد عظماء البلوز، وشكلت معه فرقة أيك وتينا تيرنر. بعد زواج في المكسيك، ومرحلة حبّ وعمل، جاءت الأوقات السادية ودوّامة التلاعب والإخضاع: غسل دماغ، سوء معاملة، ضرب وعنف، مخدرات والكثير من الذنب والخوف ومحاولات الانتحار... حتى تمكنت أخيراً من مواجهته والهرب ثم الطلاق. طلاقها تركها مع كثير من الديون، غنّت في كل الأمكنة الصغيرة في لاس فيغاس، ولكنها كانت تعلم أنّ مصيرها كان العظمة والمجد والخلود. حقّقت حلم طفولتها، فأصبحت «ملكة الروك أند الرول»، وتمكّنت من ملء ملاعب كبيرة بمفردها. نجاحها مبهر، والجانب القاسي من حياتها مظلم. كافحت تيرنر ووصلت، وتحدّثت علناً عن تجربتها ومنحت صوتاً للعديد من النساء في عصرها. قصتها ألهمت هوليوود، وقُدمت في كثير من الأفلام أشهرها «ما علاقة الحب بذلك» («What’s Love Got to Do With It» - 1993) ــــ إخراج براين غيبسون وبطولة أنجيلا باسيت بدور تينا). لاقى الفيلم نجاحاً كبيراً، وترشحت باسيت لجائزة أوسكار كأفضل ممثلة، وحصدت الجائزة في احتفال الغولدن غلوب. أحبّت تيرنر الفيلم، وبعد سنوات طويلة وأفلام ووثائقيات كثيرة عنها، قالت: «لا تقلّدوني أبداً. بدلاً من ذلك، فتشوا في أعماق روحكم، واعثروا على تينا التي في داخلكم، وأظهروها للعالم».
عام 2021، عُرض فيلم «تينا» للمخرجين دانيال ليندساي وتي. جاي. مارتن، في «مهرجان برلين السينمائي ».
تروي تينا تيرنر قصتها في مقابلة أخيرة معها تضمّنها الوثائقي


«تينا» المتوافر على نتفليكس، هو تكريم صادق وشامل لأيقونة عاشت أكثر من حياة واحدة. قد تكون رحلة الوثائقي مألوفةً للذين مرّوا بـإعصار تينا في مرحلة ما في حياتها (جيل المراهقين في منتصف الثمانينيات)، ولكنه بالتأكيد سيجعل كثيرين يكتشفون جزءاً كبيراً من حياتها وفنّها. وعلى الرغم من أن الوثائقي لا يقدم الكثير من المعلومات غير المعروفة، ولكن ما يميّزه هو المادة الأرشيفية الكبيرة والرائعة من الستينيات والسبعينيات التي تتيح لنا رؤية الملكة أثناء عملها مع إيك وفرقته، وبعد طلاقها وعملها بمفردها. تمكّنت من ذلك بسبب موهبة مدير أعمالها روجر ديفيز الذي ظهر في الفيلم مع الصحافي المتخصّص في الروك كورت لودر، وأوبرا وينفري، وباسيت والموسيقيين والراقصين الذين رافقوها. أفضل ما يقدمه «تينا» هو القدرة على رؤية المغنية وراء الكواليس، وهي تعمل بكل روعة وحسية بحضورها المذهل وصوتها الآمر. أكثر اللحظات إثارة للصدمة في الفيلم هي التسجيلات الصوتية الأصلية للتقرير الذي قدّمته مجلة «بيبول» عام 1981 حيث روت الأسطورة للمرة الأولى وبتفصيل كبير، مسلسل الإساءات الطويلة التي عانت منها من زوجها الأول.
تينا تيرنر هي نفسها التي تروي قصتها في مقابلة أخيرة معها في الوثائقي. كانت وقتها تبلغ الحادية والثمانين من عمرها. في الفيلم تظل تيرنر حاضرة بكل سحرها لإعطاء الفيلم كل الطاقة التي يحتاجها. تتحدث في الوثائقي عن كل شيء بدون خجل أو حرج، فهي فخورة بما قدمته وتعرف مكانتها الفنية جيداً، وكيف وقعت في الحب مرة أخرى وتزوجت من حبّ حياتها الممثل والمنتج السويسري أروين باخ. والتفصيل الأكثر إثارة للاهتمام هو في نهاية الفيلم تقريباً، عندما تجلس تيرنر في قصرها في سويسرا، أنيقة ببدلة سوداء وتشرح سبب سماحها لصانعي الفيلم الوثائقي بسؤالها عن فترة حياتها المظلمة مرة أخرى. شرحت أنّ هذه هي الهدية الأخيرة للجماهير. في الوثائقي، يتضح كثيراً مدى صعوبة تحرّر تيرنر من الماضي المؤلم الذي واجهته مراراً وتكراراً في وسائل الإعلام لعقود. تتحدّث كيف تمكّنت من تحويل قصة عنف وعلاقة سامة مع «شخص مريض»، كما وصفته بنفسها، إلى قصة أخرى عن التحرر. في «تينا»، رأينا الملكة للمرة الأخيرة، تتحدث معنا وتكشف لنا الكثير وتقول «هذا الفيلم الوثائقي هو الخاتمة»، وكان كذلك.
Tina على نتفليكس