لا صفعات، لا سجادة حمراء، جوائز متوقعة إلى حد ما، لم يخرج أحد من المرشحين خالي الوفاض لأنّ «الجميع رابح»، والشيء الواضح جداً أن الأوسكار عاد إلى الحضن الأميركي بقوة. لم تحمل ليلة توزيع جوائز الأوسكار أمس، الكثير من المفاجآت، لم يتخلّلها أي شيء عكّر صفوها وكانت ليلة طبيعية جداً.جدل كبير سيدور هذا العام حول جوائز الأوسكار التي تمنحها «أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة». جدل سيتعدّى الحدود الأميركية. أما في الداخل، فقد أرضت الأكاديمية صنّاع أفلامها بعدما وجهت إليهم الكثير من الانتقادات في السنوات الأخيرة. حصة الأسد كانت من نصيب «كل شيء في كل مكان في الوقت نفسه» (Everything Everywhere All at Once) الذي أنهى مسيرته الناجحة داخل أميركا بسبع جوائز. الفيلم مغامرة متعددة الأبعاد وخيال علمي جنوني متعدد الأكوان والعوالم، حصد نجاحاً كبيراً داخل أميركا من المشاهدين والنّقاد. أما خارجها، فلم يلق الكثير من الاهتمام. يوضع «كل شيء في كل مكان في الوقت نفسه» في خانة Multiverse ويستخدم تقلّبات حبكة أفلام «مارفل» التي وضعت هذا المصطلح على لسان الملايين. قدّم المخرجان دانيال كوان ودانيال شينارت قصة غريبة فوضوية وغريبة الأطوار، تحوي بعض المشاهد الجديدة الجيدة ولكنّ الفيلم بشكل عام هو بمثابة رحلة مرهقة جداً لا حاجة لها. بالإضافة إلى أوسكار أفضل فيلم، نال الشريط جوائز أفضل ممثلة (ميشيل يوه، أول ممثلة من أصل آسيوي تفوز بالجائزة) وأفضل مخرج وأفضل ممثل مساعد (كي هوي كوان) وأفضل ممثلة مساعدة (جيمي لي كورتيس) وأفضل مونتاج وأفضل سيناريو أصلي.

من «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»

جرى الاحتفال في وقت تشهد فيه هوليوود الكثير من التغييرات. فقد ابتعد كثيرون عن الكابل والتلفزيونات واتجهوا إلى خدمات البث المباشر على الإنترنت التي نقلت الأوسكار باشتراكات مدفوعة. كما أن معظم شركات الإنتاج في هوليوود أنشأت منصات بث خاصة بها لتنافس نتفليكس، فضلاً عن اندماج الكثير من شركات الإنتاج بسبب الأزمة المالية والديون التي نشأت بسبب أزمة كورونا. في ظلّ ركود محتمل يلوح في الأفق، حيث تواجه الاستويوهات الكبرى مفاوضات عمّالية متشابكة مع النقابات، لم تلق هذه الغيوم القاتمة بظلالها على الجو الاحتفالي الكبير. جرى الاحتفال مع تغييرات تجميلية صغيرة، حيث وضعت سجادة بلون الشامبانيا بدلاً من السجادة الحمراء المعتادة، وهذا الأمر يحصل للمرة الأولى منذ 60 عاماً. وقبل بداية الاحتفال، كان جميع المرشحين رابحين بسبب حقيبة «الجميع رابح». هذه الحقيبة التي وزعت على جميع المرشحين لجائزة الأوسكار، وتحتوي على هدايا وصلت قيمتها إلى أكثر من 125 ألف دولار أميركي.
في عام 2020، حصد الفيلم الكوري «باراسايت» للمخرج يونغ جون هو، جائزة أفضل فيلم في الأوسكار وأفضل فيلم دولي وأفضل مخرج وأفضل سيناريو أصلي. وقتها، علت الصيحات داخل وخارج هوليوود رافضةً ذلك، ومستهجنةً عدم فوز عمل أميركي بكل هذه الجوائز رغم وجود الكثير من الأفلام الأميركية. هذه الاحتجاجات لم تكن فقط في دائرة المعنيين بالسينما، بل إنّ الرئيس السابق دونالد ترامب انتقد ما حصل. بعدها بسنة، حصد مصمّم الصوت الفرنسي نيكولا بيكير جائزة أفضل صوت عن فيلم «صوت الحديد»، ومن جديد علت الصيحات متسائلةً كيف يمكن لمصمّم صوت فرنسي أن يأخذ الجائزة مع وجود هذا العدد الكبير من مصممي الصوت الأميركيين المرشحين. السنة الفائتة، بدأت الأكاديمية بأخذ هذا في الاعتبار، إذ أعطت عام 2021 جائزة أفضل فيلم لفيلم «كودا» السيئ جداً الذي لاقى استحساناً جماهيرياً كبيراً. وهذه السنة أيضاً، أرادت الأكاديمية ومن خلفها إرضاء الجميع والتخفيف من الانتقادات، فأعطت الجائزة لفيلم حصد نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً داخل أميركا، وقدمت جائزة أفضل صوت لفيلم «توب غان» بعدما كان الألماني فرانك كروسي أفضل المرشحين لنيلها عن فيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية». بذلك، أعادت الأكاديمية خلط أوراقها وإعادة حساباتها في الجوائز، لتقول إن جوائز الأوسكار أميركية، بعدما بدأت في السنوات الأخيرة الانفتاح على العالم وجلب الكثير من الأعضاء المصوّتين من جميع أنحاء العالم.

أعاد غييرمو دل تورو تشكيل قصة بينوكيو في فيلم ساحر وجذاب

«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» (إنتاج نتفليكس ــ All Quiet on the Western Front) حصد أربع جوائز أوسكار: أفضل فيلم دولي، أفضل تصوير، أفضل موسيقى وأفضل تصميم إنتاجي. الفيلم المقتبس عن رواية أريك ماريا ريمارك بالعنوان نفسه، يريد أن يكون فيلماً مناهضاً للحرب، لكن في الوقت نفسه هناك شيء قديم ومتكرر في هذا الرهان. الفيلم نظيف جداً ومصور بطريقة جيدة لمثل هذا الموضوع القاسي، وكان متوقعاً له أن يحصد جائزة أفضل فيلم دولي، وأيضاً كما ذكرنا سابقاً أفضل صوت ولكن خرج بأربع جوائز قد لا تكون مستحقة.
«بينوكيو» (يعرض على «نتفليكس) للمخرج غييرمو دل تورو حصد بجدارة أوسكار أفضل فيلم متحرك. بطريقة الـstop motion أعاد المخرج المكسيكي تشكيل قصة بينوكيو في فيلم ساحر وجذاب بقدر ما هو داكن وشرير. بعد سنوات طويلة لم نر فيها الممثل براندن فرايزر على الشاشة، عاد بقوة هذه السنة في أفلام قيد التصوير وأخرى صدرت أهمها فيلم المخرج دارين أرانوفسكي «الحوت». قدم فرايزر هنا أهم أداء له في تاريخه السينمائي واستحق الجائزة الذي لم تكن مفاجأة بقدر ما كانت مفاجأة عودته القوية. أفضل سيناريو مقتبس ذهب إلى «حديث النساء» من إخراج سارة بولي، مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه لميريام تويوز يتناول أحداثاً واقعية وقعت في مستعمرة مانيتوبا، وهي مجتمع بعيد ومعزول في بوليفيا. لم تكن جوائز أوسكار هذه السنة موزعة على الكثير من الأفلام. حصد فيلمان عشر جوائز من أصل أربع وعشرين. حجبت الأكاديمية الجوائز عن أسماء وأفلام كانت تستحق التنويه والاحتفال، لم نسمع اسم الكبير ستيفن سبيلبيرغ ولا فيلمه «آل فيبلمان»، لم نر داريوس خونجي يرفع جائزة التصوير الذي تستحقها عن فيلم «باردو: توثيق مزيف لحفنة حقائق» للمكسيكي أليخاندو غونزاليس إيناريتو. والأهم لم نر الممثلة كيت بلانشيت تحصد جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة للمرة الثالثة في حياتها على الرغم من أحقيّتها بها عن دورها في فيلم «تار».
مع انتهاء احتفال الأوسكار، تُسدل الستارة على سنة سينمائية شهدنا فيها الكثير من التحف الجديدة التي ستبقى في الذاكرة لسنوات طويلة. على الرغم من أن جوائز الأوسكار لم تنصف الجميع، إلا أن الأفلام التي خرجت بخفَّي حنين، كان لها نصيبها الأهم وهو حبّ الجمهور لها. هذه السنة، أعادت الأكاديمية الأوسكار إلى حضنها، وقالت بصوت عالٍ إنّها جوائز أميركية، نتقاسمها ونربت على أكتاف بعضنا ونشكر بعضنا على جهودنا الجبارة.