«أكتب هذه الرسالة، لأسأل كيف حالكم؟ أنا بخير والحمد الله». «هكذا تبدأ رسائلنا لبعضنا البعض، هذه قريتي، هذه عائلتي، والداي مزارعان ويقومان بتربية الماشية». هكذا يبدأ فيلم «رسالة من قريتي» (1976) للمخرجة السنغالية وعالمة الإثنيّات صافي فاي (1943 – 2023). «رسالة من قريتي» أول فيلم طويل تصنعه امرأة من أفريقيا جنوب الصحراء. صوّرته في فدجال، في قلب منطقة سيرير في السنغال، بلدة أجدادها. تروي فيه فاي قصة الفلاحين الذين يرون كيف تتعرض جهودهم الزراعية لمخاطر الطقس وإملاءات إنتاج الفول السوداني، التي وضعت أثناء الاستعمار وفُرضت لاحقاً في السنغال، على حساب زراعة الأرز والدخان. الفيلم عبارة عن دراسة وثيقة الصلة بالحياة الحقيقية للمزارعين، بعيداً عن الخيال الكاريكاتوري للعالم الريفي. كرّست فاي فيلمها لجدها، الذي كان مزارعاً طوال حياته. قبل هذا الفيلم، كانت فاي أول امرأة صنعت فيلماً قصيراً في أفريقيا جنوب الصحراء، «المارة» (1976) بلغت مدته عشر دقائق. خلال عرض فيلمها «رسالة من قريتي»، كان العالم في قبضة أزمتَي النفط والمال، ومثل البلدان الأخرى في منطقة الساحل، كانت السنغال تعاني من موجات جفاف مدمرة، والخطط والسياسات الحكومية بعيدة كل البعد عن الاهتمامات العمليّة للمزارعين والفلاحين. في أحد مشاهد الفيلم، يقرأ أستاذ المدرسة الصحيفة لإعلام الفلاحين بسياسات الحكومة الجديدة، فتنفجر ردود الأفعال والشكاوى، ولا يزال صوت الفلاح العجوز يصدح عندما قال: «نحن لسنا معنيين بالسياسة، لم نر آثار السياسة. نحن نعرف فقط سياستنا: وجبة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر». درست فاي علم الإثنيّات في «المدرسة التطبيقية للدراسات العليا» في باريس وأيضاً في «مدرسة لوي لوميير». لقاؤها بجان روش (1917 – 2004) في داكار عام 1966، قربها من السينما وتحديداً «سينما الواقع» الذي يعتبر أحد مؤسّيسها في فرنسا. فاي، التي تعتبر أم السينما الأفريقية، أحدثت تجديداً في هذه السينما. ومن أجل ذلك ابتكرت هي والمخرجة سارة مالدورور (1929- 2020) مصطلح Cinécrivaine التي أرادتا من خلاله استحضار تجارب ودور المرأة في السينما الأفريقية. مصطلح Cinécrivaine بدوره مشتق من مصطلح Cinécriture الذي ابتكرته المخرجة الراحلة آنييس فاردا. كانت لدى فاي رؤية واضحة في سرد القصص التي تعرض بالتفاصيل حياة الأشخاص الذين غالباً ما ترفض الكاميرا رؤيتهم. كانت أيضاً تنتقد البرجوازية الأفريقية التي لا تحترم حقوق عمّالها، ولا قضايا السيادة الاقتصادية (بما في ذلك الغذائية والزراعية والسياسية).في عام 1980، قدمت فيلمها «أنا والدتك» عن موسى الشاب السنغالي الذي يحاول تدبر أمره كطالب في إحدى جامعات برلين. يعبّر الفيلم بهدوء عن ألم الصبي الذي يقضي وقته في غرفته ولا يمكنه مواجهة الثقافة الجديدة عليه. وبينما ينكبّ على قراءة الرسائل وكتابتها، تستمر الحياة في السنغال في حين أن المسافة بينه وبين منزله تؤدي إلى تآكل شخصيته تدريجاً. أشهر فيلم لفاي وأكثره انتشاراً هو آخر عمل لها، «موسان» (1996)، فيلم خيالي مصوّر بطريقة وثائقية. موسان التي تبلغ 14 عاماً، أرادت عائلتها تزويجها من ثري، إلا أنّ الفتاة تتحدى رغبات والديها وتواصل علاقتها مع حبيبها. يُظهر الفيلم قوة جيل الشباب وهم يقاومون التقاليد القديمة، ويكشف عن شجاعتهم ورغبتهم في التحرر. على الرغم من مسيرتها السينمائية الغنية، إلا أن أفلام فاي نادراً ما شوهدت، بسبب التهميش التجاري والتوزيع الصعب للسينما الأفريقية. فاي كانت صانعة أفلام رائدة، استخدمت السينما لتخبر قصصها الخاصة، ملهمة لجيل من صنّاع الأفلام السنغاليين والأفارقة. صنعت الأفلام لاتخاذ موقف، وفضّلت التصوير في العالم الريفي، ذلك العالم الذي تنتمي إليه والذي تعرفه جيداً.

* أفلام صافي فاي متوافرة على يوتيوب