أن يصبح مسجد وجامعة الأزهر مسرحاً للعديد من المؤامرات وجرائم القتل، أن تداخل السياسة والدين في العالم العربي، أن يأتينا مخرج سويدي من أصل مصري لـ «يفضح» الدين والسياسة والنظام الأمني في مصر... هذه كلها مكونات لعمل سينمائي مطبوخ ومعجون ليناسب ذوق معظم المشاهدين الغربيين. لكن عندما تصل هذه الطبخة العجيبة للدول العربية، نكتشف فوراً أنّها نيئة، غير ناضجة ولا طعم لها.

ينتمي فيلم «ولد من الجنَة» (2022) لطارق صالح إلى سينما الاتهام، أقل بكثير من أن يرفع مستوى النقاش وإثارة التفكير بهدوء واعتدال. في سينما صالح الكل متهم، والجميع سيئون، ولا مكان للطيبين. يضعنا صالح على مقعد الدراسة لأجل إطعامنا مزيجاً من الشوفينية والإسلاموفوبيا. الحوارات الخشبية، المؤامرات السخيفة، الحجج الزائفة، والشخصيات السطحية تجعل قصة الفيلم مملةً وقريبةً من الكوميديا غير الطوعية. ما أراد صالح تقديمه في الفيلم هو تشابك الأيديولوجيات الإسلامية والأصولية والأنظمة البوليسية، التي تثبت نظرية المؤامرة التي هي ليست أرضاً ثابتة لعمل صالح السينمائي. بعد فيلمه «حادث النيل هيلتون» (2017) الذي حاول فيه أن يكشف فساد الشرطة المصرية قبل «ثورة 25 يناير»، عاد إلى مصر سينمائياً بفيلم صوّره في تركيا. حاول أن يكون أجرأ سياسياً ولكنه وقع في فخ التقليدية، وجمع به الانتخابات الأزهرية والتجسّس والفصائل المتحاربة والأنظمة الأمنية السياسية، وأيضاً الجرائم من دون حل واضح.
تحقق حلم آدم (توفيق برهوم) بدخول جامعة الأزهر والدراسة فيها. فور وصوله، تبدأ الأشياء الغريبة بالحدوث. هو ابن صياد من قرية ساحلية. المنحة التي قدمت إليه، وافَق عليها والده الصارم لأسباب دينية أكثر منها أكاديمية. عند وصول آدم البريء إلى الجامعة، يموت الإمام الأكبر، شيخ الأزهر. ولأنّ الأخير يُنتخب لمدى الحياة، تريد السلطة السياسية الأمنية والحكومة المصرية على رأسها جنرال عسكري (محمد بكري)، وضع يدها على الانتخابات للمجيء بشيخ يتماشى مع توجّهات النظام. هم لديهم جواسيس في الداخل للعمل على هذا الأمر، لكن عند اغتيال أحدهم بوحشية، يبدأ العمل على تجنيد آدم من قبل العقيد إبراهيم (فارس فارس). تبدأ المعارك بين آدم وضميره، وبين الأئمة الأزهريين والأصوليين داخل الأزهر، وطبعاً بين الثلاثة والسياسيين والجيش، لأن لكلّ منهم معايير خاصة للإمام الأكبر الجديد.
كان يمكن لـ «ولد من الجنّة» أن يكون أكثر إثارة للاهتمام، لو ابتعد عن الاتهام، وأطلق أسئلة جريئة عن دور الدولة وتطور مصر السياسي خصوصاً بعد حكم الإخوان المسلمين لفترة. لكنّ صالح لم يهتمّ لهذا، لأن المؤامرة بالنسبة إليه أهم من التعامل مع القضايا الكبيرة وتأثيرها على الشخصيات. عالم صالح مليء بالمؤامرات غير الناضجة، يصوّر معظم القوى الدينية والسياسية على أنها فاسدة وعنيفة ومنافقة، من دون محاولة إقناعنا بحججه إن وجدت أو حتى إثارة تساؤلاتنا، ما أصاب فيلمه بأعراض الجرأة الزائفة. يعمل الفيلم كإثارة ترفيهية، مضيفاً نقاطاً جدية بين الحين والآخر. صراعات شخصياته عبارة عن صور نمطية يمكن كشفها من النظرة الأولى، ودائماً تلتقي من أجل خدمة الكليشيهات. فآدم هو الطالب الديني الطموح الساذج، وابن صياد أمّيّ. القاهرة فاسدة ومغرية للمتدينين، بعض طلاب الأزهر يدخنون السجائر ويسمعون الروك. يطلب بعض الأئمة الطعام من «ماكدونالدز»، ويلتقي إبراهيم بآدم دوماً في مقهى «ستاربكس». وإن كان شيء من هذا موجوداً في الواقع، فإن صالح قدمه لمجرد وضع الإصبع في العين وليس النقد، ما يجعلنا لا نصدق كل شيء يقوله.
الحوارات خشبية والمؤامرات سخيفة والحجج زائفة في «ولد من الجنَة»


هناك دائماً رسائل ضمنية، واحدة ضد الأخرى وخطابات دفاعية وهجومية، والكل من وجهة نظر صالح خاسر وفاسد. هاجم صالح الأنظمة السياسية والدينية في مصر، وسمح لها بمحاربة بعضها البعض، وابتكر قصة واضحة في متاهة سينمائية لا مخرج منها. باعتباره فيلم إثارة، فإنّه بطيء، ما يجعلنا ننفصل عن السرد. يعمل الفيلم بشكل أفضل في ممرات الأزهر الصغيرة وقاعات الصلاة الكبيرة، ما يعطينا رؤية قريبة ولو غير حقيقية عن مكان لا يمكن للجميع الوصول إليه. في بعض الأوقات، ينجح بأن يكون ترفيهياً خفيفاً، لكن بسبب المعضلات الكبيرة التي وضع صالح نفسه فيها، وعدم التركيز على شيء واحد، ومهاجمة كل شيء، تصبح النهاية واضحة للغاية، وسهلة للغاية، ما يفوّت علينا نهايةً مقنعةً لشهوة كل من الدولة والمجتمع الديني، وشجاعة صالح.