يوم السبت 11 شباط (فبراير)، كان كارلوس ساورا (1932 – 2023) على موعد استلام جائرة «غويا» الفخرية التي تعادل جوائز الأوسكار، وتقدّمها «الأكاديمية الإسبانية للفنون والعلوم السينمائية». «لقد كنت محظوظاً في حياتي بالعمل على أكثر ما يجذبني: الإخراج السينمائي، والمسرح والأوبرا، وقد رسمت طوال حياتي، وآمل أن استمر في ذلك. أتلقّى هذه الجائزة التي قدمتها لي الأكاديمية بفرح وامتنان كبيرين». هذه الكلمات كتبها ساورا لدى الإعلان عن الجائزة، وقرأتها ابنته آنا ساورا. حصل ذلك قبل أيام قليلة من تدهور حالته الصحية، وكان متوقعاً أن يستلم جائزته خلال الاحتفال الذي أقيم السبت في إشبيلية. لكن ساورا غادرنا قبلها بيوم واحد. فضولي، يتحدث بشغف لكن بهدوء. يُثير الاهتمام بمقارباته عن الفن والسينما، وفوضى العالم، والرقابة والقمع والحرية وطبعاً الفلامنكو. تتدفق الحقائق والخيال والأحلام والذكريات الشخصية بحرية في أعماله. قربنا ساورا من سينما الاستكشاف والجمع والتخريب، غني بالإبداع، جريء وحريص على تفتيت روتين السينما الإسبانية التقليدية. نقل إلى الشاشة الكبيرة نظرة مدروسة عن صعوبات ومشكلات المجتمع الإسباني برمزية كاشفة لجروح الحرب الأهلية الإسبانية. حقق شهرة دولية خلال السنوات القمعية لحكم فرانكو، وأصبح نموذجاً لكيفية صناعة السينما السياسية المنشقة في ظل نظام استبدادي، باستخدام الاستعارات والرمزية لتفادي الرقابة وفحص تاريخ بلاده المضطرب في القرن العشرين. أظهرت أفلامه الواقع الاجتماعي والثقافي الإسباني. لقد وهب السينما أيقونات لا تشوبها شائبة، بلغة استخدم بها مخيلته في سرد القصص، وتعبير أظهر به حبه للسينما والفن والثقافة. فنان شامل، تجاوز السينما، أحب المسرح وكان مفتوناً بالرسم والتصوير الفوتوغرافي. دائماً ما نراه بصحبة كاميرته الصغيرة معلّقه في رقبته. لم يتوقف عن تصوير ما يثير اهتمامه، كان ذا فضول غير محدود، ألهمته الأرض والفولكلور وكرس جزءاً كبيراً من أفلامه لهما.رحل أحد أهم المخرجين العالميّين، الذي أصبحت أفلامه معياراً للسينما الأوروبية العظيمة. عبقري سمعي بصري، أفلامه الدرامية الجافة والعنيفة هي خط استكشاف الإنسان والعلاقات العاطفية والاجتماعية والدوافع العائلية. في عام 1960، بدأ في Los Golfos عن مجموعة من الأصدقاء الذين يعيشون في ضواحي مدريد. شباب من الطبقة الفقيرة، بائسون. يريد خوان أن يكون مصارع ثيران، فيقوم أصدقاؤه بعمليات سطو صغيرة لمساعدته في الظهور. «عندما صورت «الجانحون»، اعتقدت أنه سيكون فيلمي الأول والأخير بسبب الرقابة والصعوبات الاقتصادية التي واجهتها». لكن الفيلم لم يكن بأي حال من الأحوال آخر فيلم له، بعد مرور ستين عاماً عليه، ومع وجود خمسين فيلماً طويلاً في مسيرته، توفي ساورا. في عمل المخرج، يمكننا أن نرى الشخصية المبتكرة وطريقته في الرهان على السينما التي وضعت رقابة فرانكو تحت السيطرة، في «الصيد» (1965) روى الجروح التي سبّبتها الحرب الأهلية، ومع Peppermint Frappe وCousin Angelica وCria Cuervos، استكشف إرث الفاشية وآثارها المدمرة على جيل من المواطنين. ومن خلال The Garden Of delights حارب الرقابة وكان الأكثر إبداعاً في القيام بأشياء في السينما لم يتخيّلها الآخرون. في الثمانينيات، عاد إلى موضوع العنف مع أفلام مثل Sweet Hours وDeprisa, Deprisa، وأيضاً في التسعينيات في فيلمه الشهير Oh! Carmela وTaxi. هذه الأفلام ما بعد مرحلة فرانكو، صوّرت اضطراب المجتمع الذي يعاني من المرحلة الأولى من صدمات الحرب بعد الفاشية. كان ساورا يدرك أن السينما الخاصة به يمكن أن تزعج الجمهور، لكنّه كان يدافع دوماً عن العنف بأنّه مبرر في أفلامه، وكيف يمكن لحدث ما أن يغير حياة شخص ويضعه في دوامة عنف مباشرة.
لم يكن هناك مخرج مثل ساورا عرف كيف يصوّر الرقص. كان الشريان السينمائي الأخير له هو السينما الموسيقية. سينما لا تشبه أي شيء قام به قبل ذلك. سينما رائعة بدأت مع Sevillanas، وانتهت مع The king of all the world، ومن الفلامنكو إلى الموسيقى المكسيكية، مرّ عبر الغوتا والتانغو والفولكلور الأرجنتيني بأفلام مثل Tango وSalome وFlamenco Flamenco. في 3 شباط 2023، عرض فيلمه الجديد The Walls Speak وثائقي عن فنّ الجدران، من كهوف عصور ما قبل التاريخ إلى رسومات الغرافيتي الحالية.
سرق كارلوس ساورا كاميرا من والده وهو في السابعة من عمره لتصوير فتاة كان يحبها. بعد خمسين فيلماً وسبعة أطفال من أربع نساء مختلفات، رحل الرجل الذي تعامل في السينما مع قضايا متباينة مثل العنف والحرب والموسيقى... لم نكن لنستطيع فهم السينما الإسبانية من دون كارلوس ساورا.