اختُتم «أيام بيروت السينمائية» أمس بحفلة موسيقية لريما خشيش في «مسرح المدينة»، إلا أنّ عروضه مستمرّة على منصّة «أفلامنا»، وتحديداً قسم الأفلام القصيرة. ما يجمع السواد الأعظم من هذه الأعمال القصيرة أنّها تقارب حياة مجتمعات صغيرة وتأثرها بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. هذا ما نراه في فيلمَي «الياس» (2022 ـــ 8 دقائق ـــ مناف الشامسي) و«غرفتنا» (2021 ـــ 13 د ــــ صفا مكداح) اللذين يطرحان حياة اللاجئين السوريين في لبنان، عبر تصوير العائلة ومشكلاتها مع التعليم وتسجيل أطفال حديثي الولادة، وتحديد النسل. تميّز الفيلمان بصناعة فنية جديدة على صعيد سرد الحكاية والتصوير.
«الجدار الأحمر» (2020 ـــ 4 د ـــ سينتيا صوما)

ومن الأفلام اللبنانية، نذكر «حبال الهوا» (2021 ـــ 14 د ـــ غنوة مروة) الذي يستعرض حياة مجموعة من الفنانين وتأثرهم بانفجار المرفأ وتحوّل حياتهم بشكل كامل بعد حراك 17 تشرين، وصراعهم بين البقاء والرحيل. أما «بيت أبي» (2020 ـــ 12 د ـــ موران مطر)، فيبحث في تاريخ عائلة من خلال حكاية منزل العائلة الذي تهدّم خلال الحرب الأهلية، لتحمل هذه الحكاية بُعداً توثيقياً لجيل الحرب الأهلية والتركيز على أهمية هذه الذاكرة التي تشكل جزءاً من هويتنا. يعتمد الفيلم ـ في رؤيته الإخراجية ـــ على تسجيل الصوت وعرض صور قديمة، ليكون أيضاً بلغته البصرية والصوتية رحلةً إلى الذاكرة. حضرت أفلام الخيال في عروض المهرجان أيضاً، وتميّزت بخصوصية موضوعاتها وطرحها الفني، مثل فيلم «الجبل الأحمر» (2020 ــ 15 د ـ كامل حرب) الذي يحكي عن عالم خاص يخلقه طفلان في مدرسة داخلية، مليء بالأحلام لكن تحكمه القسوة. ندخل من خلال رؤية الشريط الإخراجية بين سحر الأحلام وقسوة الواقع المحيط.
أما «الجدار الأحمر» (2020 ـــ 4 د ـــ سينتيا صوما) فذهب بالتجريب إلى فرضية الفيلم ذاتها، إذ يطرح الشريط صراع البقاء أو الرحيل الذي أصبح هاجساً للكثير من اللبنانيين بعد انفجار المرفأ، لكن من خلال حوار مفترض بين لوحات في «متحف سرسق» الذي تعرّض لضرر كبير إثر الانفجار. وبالرغم من بعض الكليشيهات في الحوارات، إلا أن الفرضية تُعطي رؤية مختلفة عن هذا الصراع الذي تم التعبير عنه في كثير من الأفلام.
«حبال الهوا» يستعرض حياة مجموعة من الفنانين وتأثرهم بانفجار المرفأ


ولا بد من ذكر الفيلم العراقي «لذا نعيش» (2020 ـــ 16 د ـــــ رند أبو فاخر) الذي يتمتع بخصوصية عالية، أولاً عبر الثيمة المختارة، وهي اختفاء الشباب في العراق بعد انضمامهم إما إلى ميليشيات النزاع، أو عن طريق الخطف، وأثر هذا الاختفاء على العائلة، وشكل الحياة الذي يحكمها، المليء بالقلق والغضب والصمت والبؤس. وبالرغم من ضعف أداء الممثلين، إلا أنّ الفيلم كان لقطة واحدة (one shot)، حيث تدور الكاميرا في المنزل طوال الوقت بإيقاع بطيء ينقل بؤس المناخ العام، الذي يجعل من الشخصيات غاضبة وقلقة. شكلت الأفلام القصيرة في المهرجان حالة خاصة، عبر المساحة التجريبية على مستوى الصناعة التي يستوعبها الفيلم القصير، وخصوصية هذه المساحة بعرض خطابات مختلفة ورؤى جديدة ساءلت واقعنا، وبحثت في ماضينا، ورصدت حالة الإنسان اليوم وعلاقته المعقدة بالمكان وآثار هذه العلاقة على المكان نفسه وعلى نفسيّة الإنسان وعلاقته مع الآخر.

* عروض الأفلام القصيرة على «أفلامنا» حتى نهاية الشهر الحالي