بدءاً من اليوم، تنطلق الدورة 17 من مهرجان «شاشات الواقع» بمبادرة من «جمعية متروبوليس» (بالتعاون مع «ناس»/ الشبكة العربية للشاشات البديلة). الحدث الذي يوسّع مروحة عروضه ليطال مختلف المناطق اللبنانية، يعتبر المهرجان الوحيد المعني حصراً بالفيلم الوثائقي، إذ يعرض سنوياً إنتاجات وثائقية لبنانية وعربية وعالمية معاصرة. ورغم إيقافه في 2020 على خلفية أزمة كوفيد ـ 19، إلا أنه عاد في السنة الماضية ليغطي إنتاجات 2020 و2021. وها هو يعود اليوم مع حوالى 30 إنتاجاً محلياً وعالمياً.في حديث إلى«الأخبار»، تُشير المخرجة نور عويضة (عضوة في «جمعية ميتروبوليس») إلى مشاركة أفلام لبنانية وعربية وعالمية عدة يراوح إنتاجها بين عامَي 2020 و2022، وتختلف أنواعها بين القصير والطويل، مع وجود فقرة في المهرجان مخصّصة لتكريم شخصية سينمائية قديمة، لتكون بمثابة تحية لأحد الصنّاع السينمائيّين القدامى. هكذا، يحضر مثلاً المخرج والمصوّر والكاتب الفرنسي الشهير كريس ماركر (1921ـــ 2012) الذي استحال أسلوب «المقالة السينمائية» الذي يمزج بين الوثائقي والتأمل الذاتي، ماركته المسجلة. إذ نشهد في المهرجان عرض شريطه «نحدّثكم من باريس: ماسبيرو، للكلمات معنى» (1970 ـــ العرض: س: 18:00 ـــ 7 نيسان ـــ مسرح بيريت). ويخيّم طيف بيار باولو يازوليني (1922 ــ 1975) على الحدث من خلال عرض عملَين أنجزهما مع الكاتب جيوفاني غواريشي (1908ـ 1968) هما: «الغضب» (1963 ـــــ س:20:30 ــــ 12 نيسان ـــ مركز بيروت للفنّ) و«جدران صنعاء» (1972 ــــ س: 20:30 ـــ 12 نيسان ــ مركز بيروت للفنّ).
عن الإنتاجات الجديدة، تعلّق عويضة بأنّ ما يجمع الأفلام المشاركة في المهرجان هو تناولها للواقع الذي تعيش فيه، ومحاولتها أن تعكس كلّ المتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة في لبنان بشكل خاص، وفي العالم ككل بشكل عام. «هنا تأتي أهمية الفيلم الوثائقي الذي يقدّم وثيقة يُفترض أن تكون حقيقية عن الواقع والمجتمع، ويطرح علاقة السينما الخاصة مع الواقع بعرضه كما هو، وطبعاً مع حفظ خصوصية كل فيلم على حدة، وإصرار إدارة المهرجان على عرض عدة وجهات نظر وأنواع فنية مختلفة».
تحدثنا عويضة عن خصوصية الفيلم الوثائقي اليوم وتنوّع وتطور صناعته، إذ حرص المهرجان على أن يضم أفلاماً عدة ذات رؤى وأساليب إخراجية مختلفة، فالمتغيرات الاجتماعية والسياسية في الواقع، لم تؤثر على موضوعات وثيمات الأفلام فقط، بل أيضاً على أدوات التعبير وآليات الصناعة، التي تخلق باستمرار أساليب تلقٍّ جديدة تعبر عن علاقة ورؤية مختلفة للإنسان مع واقعه، من خلال طرح هذا الواقع ضمن وثيقة بصرية تحمل رؤية فنية. وهنا تحكي عويضة عن جدلية علاقة المتلقي بالسينما، وعما يبحث عنه في الفيلم: هل يريد مواجهة واقعه أم الهرب منه؟ تجيب: «عملية التلقي اليوم أوسع من ثنائية الهرب والمواجهة، بل يجب أن تنتقل آلية تلقي الفيلم إلى منحى تأملي نقدي للواقع المعاش يومياً، وهذه مهمة السينما، وخصوصاً الوثائقية. بخلاف أنواع الأخرى، تقدّم هذه السينما رؤية حقيقية موجودة مجردة من البُعد الخيالي الذي يمكن أن يخلق فصلاً بشكل ما عند المتلقي. بل إنّ الوثائقي يربط الجمهور مع واقعه بشكل مباشر عن طريق تصوير هذا الواقع، وليس إعادة إنتاجه عبر قصة خيالية».
أفلام ذات رؤى وأساليب إخراجية مختلفة متأثرة بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية


وعند سؤالها عن أهمية إقامة المهرجان اليوم، تعلّق عويضة: «أهمية المهرجان تتجلّى في كونه الحدث الوحيد في لبنان المتخصّص في الفيلم الوثائقي. وفي ظلّ الحركة السينمائية اللبنانية القوية التي يشهدها البلد أخيراً، يجب أن تُخلق مساحات لعرض هذه الأفلام وطرح هذه الرؤى. وبالرغم من الصعوبات اللوجستية المستمرة التي يواجهها فريق إدارة المهرجان، إلا أنّه من الضروري جداً الإصرار على خلق مساحات تفتح حوارات تمكّن صنّاع الأفلام من الاتصال بجمهورهم من جهة، كما تمكّن الجمهور من الاتصال بواقعه السينمائي المعاصر من جهة أخرى. مساحات تقدّم له رؤى تأملية نقدية فنية، تحقّق علاقة وثيقة ما بين السينما والواقع، وهذا ما يسعى إليه مهرجان «شاشات الواقع»».

* مهرجان «شاشات الواقع»: بدءاً من اليوم حتى 14 نيسان (أبريل) ــــ «غراند سينما غالاكسي»، و«مركز بيروت للفن»، و«سينما مونتاني» (المعهد الفرنسي)، و«مسرح بيريت»، وThe Ballroom Blitz، و«ورشة 13» (طرابلس)، و«بيت الفنان» (حمّانا)، و«مركز العمل للأمل» (البقاع) ــــــ الدخول مجاني والحجز ضروري على موقع metropoliscinema.net للعروض المقامة في بيروت