في 1991، كان المجتمع الأميركي مضطرباً للغاية (كالعادة). انتهت الحرب الباردة في اللحظات الأخيرة من ولاية رونالد ريغن الثانية المثيرة للجدل. كانت شعبية جورج بوش الأب تزداد مع حرب الخليج، لكنه سرعان ما فقد مساحته أمام بيل كلينتون وزوجته هيلاري، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي كانت تؤثر على أعظم رمز للرأسمالية في العالم المعاصر. كان الاقتصاد والسياسة والدين من أكثر المبادئ التوجيهية ثباتاً في وسائل الإعلام: على أساس هذا الثلاثي، كان الدور الذي تلعبه المرأة في كل هذه الأماكن محل نقاش. ثم جاء فيلم «ثيلما ولويز» كوقود لتأجيج هذه النقاشات.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
الصداقة العميقة، الجرائم الخطيرة والهروب عبر صحراء جنوب الغرب الأميركي لطالما كانت مكونات صنعت أفلاماً عظيمة منذ بداية هوليوود. لكن، قبل ثلاثين عاماً، في نهاية شهر أيار (مايو) 1991، صدر فيلم طريق مختلف تماماً في دور السينما في الولايات المتحدة الأميركية. في «ثيلما ولويز»، جلست امرأتان خلف عجلة القيادة وإصبعهما على الزناد. خالف الفيلم القواعد مثل شخصياته. وكلما طالت فترة هروب المرأتين، تخبطت هوليوود في معاييرها الجمالية ورموزها الجنسية. ثيلما ولويز شعرهما أشعث بفعل الرياح، جلدهما محترق بدرجات ألوان ترابية بفعل شمس الصحراء، يتصبب منهما العرق وثيابهما مغبرة. تتوهج عيونهما بالذكاء مثل شياطين جميلة برية جامحة وحرة.
عند عرض الفيلم، تحمس كثيرون وغضب آخرون. تأمل بعضهم أن يغيّر فيلم ريدلي سكوت وسيناريو كالي خوري (أوسكار أفضل سيناريو) شيئاً ما للنساء والشخصيات النسائية في هوليوود. في ذلك الوقت، كانت الهواتف مثبتة على الحائط، التدخين مسموح في المطاعم، والسيلفي بكاميرا «بولارويد». كان على النساء أن يطلبن من أزواجهن الإذن للذهاب في عطلة نهاية الأسبوع. تخاف ثيلما (جينا ديڤيس) سماع كلمة «لا» من زوجها إذا طلبت الإذن بشأن الرحلة التي تخطط لها مع صديقتها لويز (سوزان ساراندون). لذلك لا تسأل، بل تنطلقان في عطلة نهاية أسبوع، تبدأ بالرقص والمارغريتا واغتصاب وجريمة قتل، وتنتهي بقرار المرأتين الفرار إلى المكسيك لأن مَن تعرضت للاغتصاب لا تتوقع العدالة من السلطات.
عادة ما كانت تعطى هذه القصص للذكور. أما الآن فهما امرأتان أُعطي لصداقتهما بعد جديد مع مساحة كبيرة من التحرر، ليس فقط على المستوى الشخصي إنما على المستوى الاجتماعي أيضاً. امرأتان تخلصتا من القيود، ولم تعودا راضيتين عما يقدمه العالم للنساء، فوضعتا قواعدهما الخاصة. أثار الفيلم الغضب قبل ثلاثين عاماً: ادعاءات وجدل ايديولوجي سيظل موضوعاً في الأدبيات البحثية لسنوات قادمة. لكنه في الوقت نفسه، مبالغ فيه الى حد كبير عند قياسه بمتطلبات الفيلم. تراوح انتقادات الشريط المتطرفة من الاتهام بأنّه معاد للرجال بشخصياتهم الكاريكاتورية وغير الجذابة، والنساء فيه مجرمات محكوم عليهن أخلاقياً. مع أن شخصيات الرجال في «ثيلما ولويز» مثلهم مثل شخصيات النساء في جميع أفلام الطريق الأخرى، لم يلعبوا أي دور عملياً في هذه القصة، وهذه بالتحديد مشكلة الذين غضبوا. أما النقد النسوي، فاعتراضه على كون البطلتين تأخذان دور الذكور بدلاً من ابتكار مسارهما الخاص، وأن ثيلما ولويز أخذتا سمات وسلوكيات ذكورية، ما يعني أن الرجل يظل في مرتبة أعلى في التسلسل الهرمي. تفر البطلتان بعد حادثة الاغتصاب بدلاً من القتال من أجل حقوقهما بطريقة مثالية أو على الأقل معالجة ظلمهما علناً.
هذه المراجعات لا يمكن الدفاع عنها لأنها لا تنطبق على الفيلم. مع ذلك، فقد أظهروا مدى خطورة انعدام الأمن في المعسكر الأبوي من ناحية ومدى العوائق التي وضعتها الحركة النسوية من ناحية أخرى. ليس من العدل الحكم على الفيلم من منظور ذكوري ولا نسوي، لم يكن لدى المخرج ولا كاتبة السيناريو أي نية لصنع فيلم وفقاً للإملاءات الذكورية أو العقائد النسوية. فقط في الصحراء، تخلت ثيلما ولويز عن دوريهما، فقط لأنهما وجدتا مساحة خالية خارج المجتمع والقوالب الذكورية والنسوية. هنا تتركان المجتمع الذي يهيمن عليه الذكور، والقوالب التي تضعها النسويات للمرأة، وتتمكنان من تطوير شخصيتيهما، وكلما ابتعدتا أكثر، أصبحتا أكثر وعياً بحدود حياتهما الماضية، فقد تجاوزتا حد إعادة الاندماج في المجتمع.
كان ريدلي سكوت متواضعاً ودقيقاً في تعامله مع تطور الشخصيات. وضع المعايير المطلوبة في قواعد اللغة الكلاسيكية للسينما. وبإتقان وما يكفي من الموهبة والخبرة، تجنب هو وكالي فخاخ نقل المكتوب إلى الشاشة. أعطيا أولوية للعاطفة والشعور بالحرية، متمثلة في المرأتين وسيارة لويز (66 ثاندربورد) التي أصبحت كخرافة سحرية وبساط ريح للحرية. وضع سكوت وكالي المرأتين في تجارب كانت ضرورية لشكوكهما وأسالتهما عن أهمية وجودهما مثل الأسرة والقانون والعنف الجسدي والرمزي والجنس. ووجدتا حرية كبيرة في أجوبتهما وفي المواقف التي لا رجوع فيها، ما ولّد نهاية الفيلم الرمزية.