مع وجود أكثر من ثلاثين فيلماً ذي مكانة دولية وراءه، من بينها «الحياة ولا شيء آخر ولكن» (1989)، «اليوم يبدأ كل شيء» (1999)؛ لخّص تافرنييه أسلوبه بعبارة متواضعة: «أصنع السينما للمشاركة». كان دائماً يقول: «الشغف والفضول في الأوقات الصعبة هما أسلحة ضد الجهل، أسلحة للبناء». تمكّن من رسم مشاهد عائلية في السينما تذكّرنا بلوحات تشيخوف أو اللوحات الانطباعية الحزينة. كان قادراً على خلق تخيلات تاريخية حول عهود التاريخ الفرنسي المُلهمة للذاكرة، وكان طليعياً، وغير محافظ، قدّم هجاء حاداً للاستعمار الفرنسي والعنصرية. كاتب كامل، غير تقليدي بالفطرة، وانتقائي بشجاعة.
حوّل القضايا التاريخية والاجتماعية إلى سبب وجود للسينما
كان لا يحب وصفه بالسينيفيلي، فتعريف السينيفيلي بالنسبة إليه هو تعريف هجومي محدود لشخص ليست لديه حياة خارج السينما «الأدب والمسرح والموسيقى تهمّني بقدر السينما، ربما أكثر ما يهمني في هذا العالم هو مايلز دايفيس، أنا أعيش الحياة». في المرة الأولى التي دخل فيها إلى السينما، كان طفلاً. قارن هذا الشعور بالبهجة التي عاش فيها عند نهاية الحرب العالمية الثانية. مقارنة جريئة. «السينما بالنسبة إليّ كانت أيضاً تحرراً واكتشافاً ومدرسة. فتحت عينَيَّ على عوالم وثقافات مختلفة للغاية. وفي الأفلام التي ميّزتني، وجدت الشعور بالحرية نفسه الذي شعرت به عندما تحرّرت المدينة التي ولدت فيها، ليون». سيد السينما ومخرج مع نظرة نقدية لكل ما يحيط به. أنقذته السينما من حالته الصحية السيئة وسمحت له بالحلم والتخيّل «بفضلها تحمّلت الألم الذي شعرت به عندما كنت صغيراً، لو لم تكن السينما موجودة، لا أجرؤ حتى على تخيّل ما كنت سأفعله في حياتي، ربما لا شيء». بسبب سوء التغذية، كانت لديه مشكلة في العين، وكانت السينما ـــــ الفن البصري ـــــ ملجأه وبدأها بضعف في البصر، «لقد غيّرتني السينما». اكتشفها وهو مريض بالسل، وعندما أصيب بالسرطان لم ينتظر دقيقة بعد العملية للعودة إلى العمل، «لم يشرح لي الطبيب كيف تمكّنت من التعافي بهذه السرعة. قل لي: شفاك حبك للسينما». ستجفّ الأقلام قبل التوقف عن الكتابة عن برتران تافرنييه. هو السينما. هو الشخص الذي سوف نظل نكتشفه، تماماً مثل السينما وتاريخها. وصيته كانت «هناك تاريخ للسينما، لم يتم اكتشافه بعد»... من كان بإمكانه اكتشافه... رحل للتوّ.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا