توفي مَن كانت أفلامه نوعاً من العلاج الصوفيّ الطبيعيّ لكثير من المشاعر المعقّدة. من استند في سينماه الخاصة إلى الجمال والجنس اللذين كانا يؤديان مباشرة إلى العنف. وجد الكوري الجنوبي كيم كي دوك (1960 ـــ 2020) أفضل ما لديه في قذارة وتوتر الروح البشرية التي دائماً ما تفجّر المحظورات. بعد عرض فيلمه ما قبل الأخير «الإنسان، الفضاء، الوقت والإنسان» (2018)، صرّح أنّ نيته في الفيلم كانت «التوقف عن كره الإنسان». يعدّ هذا الفيلم أفضل مثال عن مسيرته، وبالتأكيد أسوأ أعماله، فيلم روائي مليء بمشاهد الاغتصاب في العالم التي رأى فيها معظم الناس رسالة استفزازية متعمّدة، رداً على ادعّاءات التحرش والإساءة وحتى الاغتصاب التي رفعت ضده. رائعة، محبطة، نشيطة، ملتوية، مثيرة للاشمئزاز، جريئة، عبقرية، مملة، استفزازية، مبتذلة... جميع هذه الكلمات تنطبق على سينما كيم كي دوك. مثير للجدل دوماً يخلط في أفلامه العنف بالصور الدينية.«دعونا نقتل بعضنا البعض بقسوة قلوبنا. حتى اليوم، وأنا ما زلت أسيطر على نفسي، أسمح لنفسي بأن يغزوني الغضب بابتسامة على شفتي، أرتجف من الغيرة عندما أحبّ، أكره عندما أسامح، أرتجف بينما أريد أن أقتل. انتظر. سأنتحر. وأتذكرك دائماً» كتب كيم هذا في مرثية مؤجلة وحاضرة دائماً في حياته. كان خارجاً عن النظام دوماً، يُتّهم بالعنف المفرط في أفلامه الطويلة. في عبقرتيه اللاأخلاقية التي تجاوزت حدود السينما اللاارثوذكسية، كان هو الأكثر جرأة في بلاده في العقد الأول من هذا القرن. أفلامه كانت تقابَل بالتصفيق والشجب بطريقة متساوية داخل الصالة وخارجها.
قبل تسعة أيام من عيد ميلاده الستين، ودع كيم كي دوك الحياة (كوفيد 19) بعيداً عن موطنه، في لاتفيا حيث كان يحضر فيلمه الجديد. كان غزير الإنتاج، لعل «الجزيرة» (2000)، «ربيع، صيف، خريف، شتاء... وربيع» (2003)، «منازل فارغة» (2004)، «بييتا» (2012) أشهر أعماله، وأكثرها اكتمالاً ونضجاً. يأخذ الكوري الجنوبي مساحة واسعة في السينما المعاصرة، حصد الدب الذهبي في «برلين» والأسد الذهبي في «البندقية» وجوائز أخرى في «كان». أفلامه كانت دائماً على عجلة من أمرها، حتى الشخصيات متكررة مع وضوح وثبات غير عاديين. سينماه الخاصة تتغذى من قذارة العالم والقسوة والدم والانتقام والجنس. ببراعة ودقة غير عادية، نسج صورة عن هوية رائعة ومقلقة، تخللتها دوماً كراهية كامنة للمرأة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا