لم يكن أحد ليحلم أو يتصور أن يشاهد بأم العين شعار الحزب الشيوعي على صدر الأيقونة الأميركية «سوبرمان». بطل الـ Man of steel، «الرجل الخارق» بكلّ مقاييس الأبطال الخارقين بين نظرائه، الأشهر عالمياً بين أقرانه، صاحب البدلة المستوحاة من ألوان العلم الأميركي، ذاك الآدمي، أقوى من صاروخ، والأسرع من طائرات الـF الأميركية بكل أرقامها، القادر على نقل جبل من مكان إلى آخر، قائد «رابطة العدالة»، أو بالأحرى «رئيس نقابة الأبطال الخارقين»، التي تضمّ خيرة الأبطال من كل المجرة.... «سوبرمان» أو «الرجل الخارق» لا يمثّل الحلم الأميركي فقط، بل إنّه الحلم الأميركي المفضوح، غير المقنع، فسوبرمان يجاهر بشكله وبألوانه، ولا يخفي وجهه كباقي الأبطال الخارقين.

هي جرأة ووقاحة في آن.. أن تعمد شركة «وورنر بروس» بكل ما تمثله، والمحتكرة إنتاج أفلام الأبطال الخارقين، إلى إنتاج هذا الفيلم سنة 2020، تحت عنوان The red son، أو «الابن الأحمر». هكذا، أزالت شعار حرف الـS الشهير عن صدر البطل الأميركي، واستبدلته بشعار الشيوعية (المطرقة والمنجل)، مع إدخال تعديلات على الشخصية الكرتونية الأشهر في العالم. البدلة قاتمة اللون لا تشبه بدلة النموذج الأميركي التقليدي. لندع البدلة والشكل والمظاهر جانباً، ولننظر إلى توجهات ذاك البطل الشيوعي الخارق الذي يتدخل لصالح نشر مبادئ الحزب الشيوعي. يدعوه ستالين بـ «الرفيق»، قبل أن يتجرأ عليه «الرفيق سوبرمان» ــ كما يخاطبه ستالين ــ بانقلاب، ثم يرديه بعد خلاف في وجهات النظر، إذ يكتشف أن الرفيق ستالين يعذّب البسطاء من العامة في أماكن يعجز نظر «سوبرمان الشيوعي» الخارق الولوج إليها.
إبداع ما بعده إبداع، هذا الخيال الأميركي الجامح سنة 2020، أخذ رواية من روايات أبطال الكوميكس كُتبت سنة 2003، وعمل على إنتاجها بهذا الشكل المحكم. في خضم الحرب الباردة، يظهر سوبرمان الشيوعي أو السوفياتي، في وقت يحكم الولايات المتحدة الرئيس دوايت أيزنهاور. يكلف الأخير، عدو سوبرمان اللدود في النسخة الأصلية، المعروف بصلعته ليكس لوثر، الأميركي الجنسية، والمتفوّق حتماً تقنياً على غريمه السوفياتي. علماً أن الأميركي في تلك المرحلة لم يكن متفوقاً على استنساخ أنموذج أميركي لمنازلة سوبرمان السوفياتي المنهمك صدفة بإنقاذ الولايات المتحدة من انفجار كبير. يظهر الكاتب مارك ميلر الجانب الإنساني من «سوبرمان السوفياتي» ليندم بعد ذلك، فيصوره كدكتاتوري ببدلته العسكرية المعتمدة لدى معظم دول العالم الثالث. يفيض الإبداع الأميركي على «الرجل الوطواط» الإرهابي، فهو «باتمانوف»، الكاره لسوبرمان بسبب قتله لعائلته، والساعي لمواجهة غسيل دماغ العامة الذي يعمل عليه «سوبرمان السوفياتي»، عبر زرع أجهزة لغسل الأدمغة. لا يحتمل «باتمانوف» تبعات إلقاء القبض عليه، فينتحر قبل أن يُزج في السجن منعاً من أن يصبح عبداً مغسول الدماغ لسوبرمان. يختتم الأنموذج الجديد بانضمام «سوبرمان» مقتنعاً، مطواعاً إلى وجهة النظر الأميركية، قناعةً منه بأحقية الأميركي في حكم العالم الحر، ونبذه لمبادئ الشيوعية المعادية!
إزالة شعار حرف الـS الشهير عن صدر البطل الأميركي، واستبداله بالمطرقة والمنجل


لا شكّ في أن قدرة «الفكر الأميركي الأحادي» على التلاعب بمجريات الأحداث العالمية تنطبق على هذا العالم الكرتوني. المال، التفاصيل، الشخصيات، الشركات، الفكر، الوقاحة، الإصرار على التفوق، الجماهير، المعجبون... كلها أدوات من شأنها أن تشكل فارقاً في التعامل مع السوق الإعلامي أياً كانت أشكاله.
في المقلب الآخر، تقتصر ردة الفعل على التعليق بأن الوسواس الروسي حاضر في ذهن الأميركي، وكافٍ لجعله يضع الشعار الأكثر كرهاً للمؤسسة الأميركية على صدر بطله القومي. جاء الفيلم بعد ثلاثة عقود من تفكّك الاتحاد السوفياتي. تجربة جعلت المشاهد الروسي يثق بأن كلارك كنت (الاسم الحركي والمدني لـ«سوبرمان» الأميركي) يمكن أن يكون «سوميشكا» السوفياتي كما ورد في الفيلم الكرتوني، وأن تلتمس اللكنة الروسية في صوت BATMAN. ولكن لا يجب أن نغفل أن هذا هو السقف الأميركي حين يريد أن يصبح حضارياً...

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا