حين قدّمت لي صديقة فيلم جاك ريفيت Out 1 (مُنتج عام 1971)، لم يكن يخطر في بالي بأنني حصلت على واحدة من أجمل هدايا نهاية العام. كيف لا وقد شاهدت ما يمكنني اختصاره في عمل سينمائي ضخم طويل يمتد لقرابة 13 ساعة. الفيلم الذي يمكن اعتباره لوحة فسيفسائية لا مثيل لها، تجاوزت حدود ما هو متعارف عليه في سينما السرد الحديثة. على مدار ساعاته الطويلة وأجزائه الثمانية (متوافرة جميعاً على موبي) التي تعرض قصصاً متنوعة عن المؤامرة، والتجسس، والاضطهاد، بحبكات درامية ومشاهد تتقاطع فيها الأحلام مع الواقع، هناك مزيج غريب من الأحداث يعطي شعوراً بأن هذا العمل لا بد من أنه قد أتى من خلفية السينما الكلاسيكية الأميركية، ولكنه ضرب لها التحية وهو يبتعد عنها، محاكياً موقف مخرجه ريفيت الذي كان يحبها جداً في شبابه.مشاهدة فيلم من هذا النوع تشكل تحدياً؛ فهو بحد ذاته تجربة استثنائية، متعبة وغريبة، فأنت ستجلس لساعات من أجل متابعة مشاهد مشوّقة ورصد شخصيات كثيرة. قصص الفيلم مقتبسة من سلسلة أعمال أونوري دو بلزاك «الملهاة الإنسانية»، عُرضت من خلال تخصيص ما يقارب تسعين إلى مئة دقيقة لكل جزء، وهذا يعني أنك تخوض غمار أفلام عدة في فيلم واحد، وتصل إلى مرحلة تجد فيها «أن ما يهم هو اللحظة حين تضمحل القصة ويتلاشى موضوعها» كما علّق ريفيت في إحدى المرات. ويتابع أن المشاهد سيجد أن العمل الذي أمامه «لم يبق فيه شيء سوى الفيلم نفسه يتحدث إليه ويتفوّه بكلام لا يمكن ترجمته»، وهنا يكمن نجاح ريفيت الذي وصل به الشغف إلى إخراج عمل يمكن وصفه بأنه ساعات من السرد المحكم المبني على الارتجال.
وجد مايكل لونسدايل في هذا الشريط الرابط بين التمثيل المسرحي والسينمائي


أبطال العمل، على رأسهم جان بيار ليو، وجوليت بيرتو، ومايكل لونسدايل، لعبوا دوراً كبيراً في إنجاح الفيلم من خلال الحرية التي أعطيت لهم لبناء الشخصية، والارتجال اللفظي، وتعبيرات الوجه، والإيماءات، فضلًا عن الهوية الخاصة لكل ممثل وشخصيته والهامش الممنوح له ليضع بصمته. لم نرَ لونسدايل في أيّ فيلم من أفلامه مرتاحاً كما كان مرتاحاً في هذا الفيلم. وجد الرابط في الفيلم بين التمثيل المسرحي والسينمائي، كان جاداً جداً ومتأكداً مما يفعله، مرحاً، سعيداً وسط حشد من المنعزلين.

* Out 1 على MUBI

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا