ولد في الناصرة عام ١٩٥٠، عاش طفولة محمّلة بصدمة الاحتلال والتغيرات الاجتماعية والسياسية في فلسطين. كان يدرس ويعمل في ورشة ميكانيك، وفي أوقات فراغه يتسكّع في الأزقة والحارات التي تعرف من خلالها إلى السينما التي كانت تعرض أحياناً في الشوارع. في سن العشرين، سينتقل إلى بلجيكا لدراسة المسرح، وستغريه الكاميرا لينخرط في العديد من الأفلام الوثائقية والتقارير مع التلفزة البلجيكية. ولأن النقد الذاتي سمة أساسية في تكوينه الفكري؛ سيطلق أوّل فيلم له وسيكون تسجيلياً «الذاكرة خصبة» (١٩٨٠) الذي تناول فيه الاحتلال، إضافة إلى المجتمع الأبوي الذكوري في فلسطين. بعدها بسبع سنوات وفي وقت كان فيه الإنتاج الفني الفلسطيني يغرق في الشعارات والخطاب المباشر، سيظهر هو بلغة سينمائية مختلفة وأدوات جديدة. سيلمع اسمه عالمياً مع ظهور فيلمه الروائي الأول «عرس الجليل» (١٩٨٧) الذي عرف وقتها نجاحاً كبيراً، حاصداً العديد من الجوائز العالمية. هل كان المشهد الأول لامرأة عارية في فيلم عربي؟ لسنا متأكّدين، لكن المخرج سيظلّ محافظاً على جرأته وفرادة لغته السينمائية حتى فيلمه الأخير «زنديق» (٢٠٠٩). التقينا ميشيل خليفي أثناء حلوله كضيف شرف في مهرجان Cine Palestine المهتم بالسينما الفلسطينية في مدينة تولوز جنوب فرنسا. بصراحته المعهودة، تحدّث إلينا عن معادلته السينمائية، عن حلم اليسار وخيبات السينما، عن الجيل الجديد، وفلسطين التي يحملها معه في كلّ مكان.
أساس الفن هو الحرية والديمقراطية، وإلّا لكانت الفنون عبارة عن أدوات بروباغندا


فيلمك الأول «الذاكرة خصبة» ظهر بداية الثمانينات، وكان مختلفاً عن سينما المقاومة والتضامن والشعارات، هل كان محاولة للتفكير خارج الصندوق؟
- اكتشفتُ السينما وأنا أدرس المسرح. في ذاك الوقت، كانت الحالة الثقافية في أوروبا مرتبطة بالنضال، وأحياناً كنت أصادف أفلاماً فلسطينية مرتبطة بهذا الموضوع. كانوا يحاولون تصوير الواقع واللاجئين في لبنان والأردن. تزامن ذلك مع إنشاء «مؤسسة السينما الفلسطينية»، لتكون القاعدة لبناء سينما وطنية. المشكلة أن اللغة السينمائية وقتها كانت مرتبطة بالسينما النضالية التي لم نكن متمكّنين منها. في ذاك الوقت، كان هناك تطوّر متسارع من جهة محطّات التلفزيون، إذ أصبح بإمكانها تصوير الوضع في فلسطين بإمكانيات أكبر وبتقنيات وحرفية. التلفزيون حينذاك كان بمثابة تحدٍّ للسينما الفلسطينية. هناك العديد من المحطّات التي كانت تذهب إلى فلسطين وتنقل ما تصوّره. أنا نشأت في هذا الجو، وانخرطت في أعمال مع العديد من المشاريع التلفزيونية. وفي تلك المرحلة عرفت أن المشكلة ليست في أن العالم ضدّنا، بل إننا غير قادرين على إيصال لغة سينمائية. بدأت أبحث وأفكر بالأمور الأساسية التي يمكن أن تصنع فرقاً، وخصوصاً في طريقة تعاملنا مع الموضوع الفلسطيني. من ناحية أخرى، أنا جئت من الناصرة، علاقتي بفلسطين محكومة بأوضاع فلسطينيي الداخل. كان مهمّاً أن أحافظ على إمكانية العودة إلى فلسطين، من دون أن أوضع في خانة الممنوعين أو الملاحقين. لديّ عائلة وحياة هناك، وهذا دفعني إلى البحث عن لغة سينمائية تقول الأشياء الأساسية العميقة في التجربة الإنسانية الفلسطينية، تتضمّن خطابي السياسي الذي لا يحتلّ الواجهة ويبتعد عن المباشرة، من دون أن أسمح للعدو (الاحتلال) أن يحصرني أو يمنعني. ولأنني قادم من المسرح ومحبّ له؛ حاولت أن أجد طريقة مختلفة للتعامل مع الواقع الفلسطيني برؤية فنية وثقافية جديدة.

ظهرتَ في مرحلة تعبئة ثقافية وفنية من قِبل «منظمة التحرير الفلسطينية» انخرط بها كتاب وفنّانون كثر من أنحاء العالم. أمّا أنت فلم تحسب مرة على منظمة التحرير ولم تكن جزءاً من أيّ إنتاج فني؟ لماذا؟
- الثقافة يجب أن تكون مستقلّة. أنا مؤمن بأن الثقافة يصنعها الأفراد لا المؤسسات. أن يكون لدينا فنّ أصيل ومؤثر يعني أن يكون المخرج أو الفنان مستقلاً. أساس الفن هو الحرية والديمقراطية، وإلّا لكانت الفنون عبارة عن أدوات بروباغندا لا أكثر. لا أستطيع أن أكون في عالم مؤسّساتي بيروقراطي يفرض عليّ ما يراه مناسباً.

قلت مرة إنك عندما كنت طفلاً، كانت لديك رغبة بأن تصبح ميكانيكياً، لكنك سافرت إلى بلجيكا لتجد نفسك منخرطاً في دراسة المسرح. بعدها انتقلت إلى السينما، ما الذي دفعك إليها؟
- وأنا أدرس المسرح، كان لديّ أصدقاء يدرسون السينما، وكثيراً ما كنت أساعدهم، لا حدود بين السينما والمسرح والأدب. كنت ذاك الشاب الذي يحاول تلمّس واكتشاف كلّ شيء. في مرحلة الطفولة في الناصرة، كنت أشاهد أفلام الكاوبوي، لم تكن دور السينما منتشرة، وعوضاً عنها كانت عروض الشارع الساحرة. في إحدى المرات، كان هناك عرض لفيلم «أميركا أميركا» للمخرج إيليا كازان، واكتشفت فيه عالماً جديداً بعيداً عن رعاة البقر وبهلوانية المسدسات والمطاردات. كازان في ذاك الفيلم كان يحكي قصة عائلته، وكان هناك مشهد خطوبة. قبل مشاهدتي الفيلم بأيام، كانت خطوبة أختي، ففاجأني المشهد حينها، وعرفت بأن بإمكان السينما أن تكشف أشياء خاصة أيضاً. بإمكانها الغوص في دواخلنا نحن البشر، في احتفالاتنا وعلاقاتنا وكل التفاصيل اليومية التي نعيشها. هذا أثّر بي كثيراً وعلق المشهد في ذهني، وعرفت يومها بأن السينما قادرة على الدخول إلى أعماق ما نحياه. دخلت عالم السينما وكونت مجموعة أفكار ربما أبرزها أنّ المهم في الشعار ليس الصراخ، بل الحالة الإنسانية التي توصلني إلى الشعار. ولهذا اهتممت أكثر بالحالة الإنسانية.

هناك مساحة كبيرة للشعر في أفلامك، وهناك المجاز المكثف، هل الشعر بمثابة أداة أو تقنية لدى ميشيل خليفي، أم أنه يأتي بدون قصد من اللاوعي أو السليقة ربما؟
- العلاقة الجدلية بين الفكر وترجمة الفكر إلى عمل فني هي من أساسيات الفنون، وتعني أن تتحول النظرية إلى عمل ملموس يصل إلى الجميع. بالنسبة إليّ السينما هي فن الخلاصة. السينما الجيدة تشبه عملية تقطير للأدب والتصوير والإضاءة والإخراج والعناصر كافة، هي أداة رائعة بإمكانها أن تمنحنا التكثيف، ربما من هنا يحضر الشعر دائماً في أعمالي.

في «عرس الجليل»، قيل إن معظم من ظهروا في الفيلم أناس عاديون وليسوا ممثلين، هل تؤكّد ذلك؟ هل كنت تحاول أن تمحي الخطّ الفاصل بين الحقيقة والتمثيل، أم لجأت إلى الناس العاديين بسبب مشاكل التمويل؟
- (يضحك) ليس معظمهم، بل كلهم تقريباً! مثلاً، الآلة السينمائية في هوليوود كبيرة وضخمة، وهناك إمكانيات لا نهائية، وحتى في السينما المصرية أو الهندية، أنا جئت من مجتمع تنعدم فيه الإمكانيات السينمائية أو البنية التحتية للسينما. كان هناك أناس بسطاء وطيبون وتخيلت أن هذا قد يكفي. أخذت المادة الإنسانية الموجودة أصلاً، أدخلتها في الفيلم، وصنعت بها «عرس الجليل». كان التحدي الأساسي هو الكتابة السينمائية القادرة على استيعاب واقع عدم وجود ممثلين، ووجود أناس عاديين رائعين بمقدورهم التعبير عن الكثير من الأشياء. أحاول محو الحدود بين الواقع والروائي، وهذا أساس تجربتي السينمائية. مثلاً عندما عملت على فيلم «الذاكرة الخصبة»، كنت أحاول جرّ الوثائقي إلى الروائي. وفي «عرس الجليل»، جررت الروائي إلى الوثائقي، ربما أتقنت هذه الحيلة كون بداياتي السينمائية كانت مع الأعمال الوثائقية التي تزامنت أيضاً مع دراستي وعملي في المسرح. كنت أحاول دائماً أن أنبش وأفهم دراماتورجية الفرد، وأفتش عمّا يستتر خلف الوجوه والعواطف، القلق والضعف، الأمل واليأس... «عرس الجليل» كان تعبيراً عن حبي للناس.

كان فيلماً جريئاً أيضاً، ظهرت فيه مشاهد لم تعتدها السينما العربية، هل كنت تحاول أن تعلن عن وجودك؟
- ليس تماماً. قوة الثورة الفلسطينية في تلك المرحلة كانت إرادتها في تحرير الفرد والمرأة والناس. بعدها خسرنا، هزمنا وكانت هناك علاقة صدامية بين المحافظين والتقدميين، وللأسف ربح المحافظون. وحتى منتصف الانتفاضة الأولى، كانت الدفة في صالح المحافظين. أنا ابن المرحلة التي أعطت كل الزخم للتقدميين العرب والمسلمين. كان شيئاً طبيعياً أن تكون هناك مشاهد جريئة نابعة من إعطاء المرأة قيم الاحترام والحرية والإنسانية، وأن أدافع عن جمالها وقوتها، وهذا موجود في أفلامي كلها، المرأة أقوى من الرجل، وعلينا أن نظهر ذلك.

المفردات اليسارية دائماً موجودة، سواء في أفلامك أو في حياتك الشخصية، تتحدث عن التقدميين عن الإمبريالية، تستشهد بـغرامشي وأيزنشتاين وتتحدث عن «ثقافة الفقراء ضد فقر الثقافة»، هل ما زلت تؤمن بالحلم اليساري الذي وجد في مرحلة ما؟
- لا يوجد طريق آخر.

ألم يمت اليسار في العالم؟
- فليمُت إن شئت، لكن الثقافة لا تموت، في الفكر اليساري هناك شقّان: السلطوي الذي لا أنتمي إليه وأرفضه، والثقافي الذي أنتمي إليه، لا أجبر أحداً أن يستمع إليّ أو ينظر إلى أفلامي أو يدافع عني. أصنع أفلاماً تدافع عني وعن نفسها، لا يوجد قدر آخر لنا غير أن نتحرّر، أن نعترف ونقدّر إنسانيتنا. الدولة الفلسطينية التي أحلم بها هي الدولة المبنيّة على الدفاع عن حرية الإنسان، سمِّها تقدمية إن شئت، أرى هذا شيئاً طبيعياً وبديهياً في عملي وتفكيري.

«عرس الجليل» كان تعبيراً عن حبي للناس (م. خ)()


في وقت يتحدث فيه الجميع عن العودة وحلم العودة، خرج فيلم «زنديق» (٢٠٠٩)، وهناك شخصية «ميم» الذي يكرر سؤاله للناس في فلسطين «لماذا لم تنزحوا وتخرجوا». سؤال أثار جدلاً واستهجاناً وانتقاداً أيضاً، كأنك تقلب المعادلة. هل كان هذا السؤال محاولة للخروج من الشعار أم محاولة للنقد الذاتي؟
- هذه تساؤلات كلنا طرحناها على أنفسنا، هذه واحدة من التساؤلات القلقة في بنية هويتنا اليوم: لماذا خرجنا ولماذا لم نخرج؟ لماذا بقينا ولماذا لم نبقَ؟ أجد أن كل الأسئلة مشروعة وأساسية، ومن الواجب طرحها. كيف خرج خالي من فلسطين وبقيت عائلتي هناك؟ كيف قبلنا وقتها؟ والآن كيف نقبل أن ندمر أوطاننا أكثر وأكثر، أن نصبح مجرّد مختبرات لكلّ السلاح والسياسات القذرة في العالم، نحن في حفلة تدمير كبيرة كلنا اشتركنا فيها... كل هذا ولا تساؤلات؟ عيب علينا أن لا نسأل!

آخر أفلامك فيلم «زنديق» ظهر قبل عشر سنوات، كأن ميشيل خليفة وضع كاميرته جانباً عندما انفجرت الكاميرات في العالم وأصبحت في أيدي الجميع، لماذا «زنديق» هو آخر فيلم؟
ـــ ربما لأن الحالة تبهدلت، لديّ إحساس بأنه لم يعُد لديّ مكان، فلأشبّه الأمر بصورة كاريكاتورية لوردة توضع عليها القمامة. ستكون إما وردة على مزبلة أو المزبلة تأكل الوردة.

أليست هذه مبالغة! أو تواضع أكثر من اللازم؟ ميشيل خليفي اسم يذكر كرائد للسينما الفلسطينية الحديثة.
ـــ نحن نعيش في عصر البرغر والاستهلاك، شيئاً فشيئاً تختفي الأطباق الرائعة التي كنا نتناولها وتفقد أهميتها.

هل هي خيبة أمل؟ أم موقف تجاه السينما التي تنتج اليوم؟
ــ فلنتحلَّ بشيء من الشجاعة والوضوح، ونقول إن السينما في أزمة. أن تصنع فيلماً يكلف أموالاً طائلة. وفي النهاية يظهر في بعض المهرجانات ولا أحد يشاهده وتنتهي القصة! المهرجانات ليس لها معنى في أغلب الأحيان، السينما مكلفة، وفي حالة كهذه أقول إنه من الأفضل أن يبنوا مدارس ومستشفيات، أن توضع الأموال للأبحاث العلمية، لمحاولة فهم الحركة التاريخية والمستقبلية في العالم العربي، كي نفهم هل سندمر أنفسنا أكثر من ذلك! نحن بحاجة إلى إعادة تركيب أنفسنا. بإمكان السينما أن تساعد نعم، لكن من يشاهد السينما الجيدة الآن؟ الناس يشاهدون التلفزيون ويعتقدون أنهم يتلقّون معرفة وثقافة، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، محطّات التلفزيون تفرغ رؤوسنا، وتملأها مجدّداً بما يحلو لها. السينما الحقيقية هي التي تطرح تساؤلات. السؤال من جهة الحياة، الجواب من جهة الموت. عندما تجيب تقتل النقاش، بينما التساؤلات هي التي تفتح الأفق. معظم السينما الرائجة لا يفرض أي تساؤلات. السينما تتلفزت الآن، همي الأول كان أن أصنع سينما مبنية على التساؤلات، وهناك من خاف منها.
لدينا المادة السينمائية كي نصنع سينما رائعة ولكننا بحاجة إلى فكر وعلم (م.خ)


من الذي خاف منها؟
ـــ الفلسطيني، والعربي من ناحية، والصهاينة من ناحية أخرى.

خرجت من الناصرة في سن مبكرة، وكل أفلامك مرتبطة بفلسطين. اليوم هناك مخرجون فلسطينيون يصنعون أفلاماً خارج الموضوع الفلسطيني، إذا قدر لك أن تعمل على فيلم جديد، هل سيكون مرتبطاً أيضاً بفلسطين؟
ـــ لا يوجد لديّ هم مشابه لبعض المخرجين الذين يحبون السينما الأميركية والتجارية مثلاً. هذه السينما لا تهمني، لا كمتفرج ولا كصانع أفلام. سابقاً، أتتني عروض عدة للانتقال إلى الولايات المتحدة والعمل هناك. أحد هذه العروض كان يتطلّب أن أبقى عامين، لأكون جزءاً يفكر في شركة إنتاج كبيرة. وقتها قلت إنّ في المنطق الهوليوودي كثراً مثلي، إن دخلت هذه الآلة سأصبح صانعاً لأفلام يحكمها السوق التجاري والأنماط المفروضة، بينما أنا متحرّر من كلّ ذلك، وأريد أن أبقى كذلك. بيني وبين فلسطين أكثر من مجرد انتماء، بيننا تحرّر وإرادة وكرامة إنسانية. أنا ابن الثقافة والقضية، خرجت من أحشائها وسأبقى ملتصقاً بها. عندما زرت مخيم عين الحلوة في لبنان قبل سنوات، اعتقد سكان المخيم بأنني من مخيمهم، نتشارك نفس الملامح والبسمة كلّنا أتينا من الجليل ومحيطه، والناصرة في طفولتي كانت مخيماً أيضاً. لا أستطيع الانفصال عن كل ذلك، ولا يمكن أن أتبدل.


هل هناك موجة سينمائية فلسطينية جديدة تتشكل مع جيل الشباب الآن؟ ما رأيك بما ينتج اليوم؟
ــــ العملية تأتي بالتراكم، ليس بإمكاني الحكم بشكل عام حول جودة ونوعية الأعمال، لم أشاهد معظمها، والحكم يتطلب التحليل، ولكن أعتقد أن المهم هو التعددية والتنوع. منذ عشر سنوات مع فيلم «زنديق»، كان لديّ تساؤلات حقيقية حول كيفية إعادة نفس القصة، كيف سأحكي فلسطين. أصادف الأفلام الفلسطينية عندما تسنح لي الفرصة وأكون في مهرجانات. كما تعرف أنا أعيش في بلجيكا، وأخجل أن أطلب من المخرجين أن يرسلوا لي أفلامهم. في الحقيقة، لا أعرف معظمهم، من ناحية أخرى أنا لست ناقداً سينمائياً، ولكن كمشاهد بإمكاني القول بأن هناك إنتاجات لافتة.

ماذا تقول للجيل الفلسطيني الصاعد سينمائياً؟
ـــ لدينا المادة السينمائية كي نصنع سينما رائعة ولكننا بحاجة إلى فكر وعلم. يمكن أن نواكب المواهب والتجارب الإنسانية الموجودة من خلال إرادة التعلم والمعرفة. في بعض الأحيان، أشعر بأن هناك العديد من الأعمال التي تُصنع باستسهال كبير كأنها ضربة حظ، إن صابت سيكون جيداً، وإن خابت فلا بأس، وهذا لا يناسب السينما التي هي بحاجة إلى أشخاص متمكّنين من السيطرة على لغتها. على سبيل المثال، في السينما لا نقول ذهبت السفينة وعادت، بل نقول ذهبت السفينة قبل أن تأتي، ما يعني أن السينما بحاجة إلى بذل الجهد وهو جهد يتطلّب التعلم. وهذا طبعاً لا يلغي العفوية المهمة في بعض الأحيان، نتعرف إلى ذلك عندما ندرس كيف بدأت السينما في أواخر القرن التاسع عشر. أصلاً هذا الفن يصنعه الشباب، كل المدارس التي أثرت بهذه الصناعة جاءت من طرف الشباب، سواء في الاتحاد السوفييتي أو في أيطاليا أو فرنسا وأميركا، كلهم كانوا في أوائل العشرينات. شارلي شابلن كان في الـ ١٩ عاماً، ايزنشتاين أوائل العشرينات، غريفيث أسطورة السينما الأميركية الصامتة كان أيضاً في أوائل العشرينات. أقطاب الواقعية الجديدة في إيطاليا كانوا أيضاً في أوائل العشرينات، الموجة الجديدة في فرنسا نفس الأمر أيضاً، ومن قبل كل أولئك الشباب تمتعوا بعلم واتصال مع الثقافة والفنون، هذا ما يحتاج له الشباب، الثقافة والعلم.

ما هي فلسطين بالنسبة لك؟
ـــ محمود درويش قال مرة إن الفلسطيني أصبح المسيح الذي يحمل صليبه على ظهره ويتجول في العالم، وهذا ينطبق على معظم الفلسطينيين. هناك علاقة عضوية بيني وبين فلسطين، لا قوة في العالم تستطيع فصلها حتى الفلسطينيين أنفسهم.

هل تحولت إلى فكرة أكثر من أمل ملموس على المدى القريب؟
ـــ نحن في موازين قوى صعبة في الداخل والخارج، وحتى في الدول المحيطة التي هي جزء أساسي من هويتنا. وكي نربح في واقع الانحطاط وواقع البترو دولار، علينا التمسّك بالأمل وعدم الاكتفاء به، بل أن نعمل كي نفرض حقوقنا فرضاً، لا يأس في هذا الصراع، لدينا مثل جميل يقول «لا يموت حق وراءه مطالب» حتى إذا تبقى مطالبٌ واحد بهذا الحق ـ الذي يعني بالنسبة لي تحرير فلسطين ـ فهذا يعني أن اللهب لا يزال موجوداً. في إحدى المرات، جمعني نقاش عابر بأحد الصهاينة، قلت له: هل سبق أن رأيت أو سمعت عن قلعة انتصرت على الأعشاب البرية؟ في النهاية ستأكلها الأعشاب البرية... نحن تلك الأعشاب.