القاهرة | «الثالثة ثابتة» كما يقول المصريون، و«مهرجان الجونة السينمائي الدولي» يراهن في دورته الثالثة التي تُعقد من 19 إلى 27 أيلول (سبتمبر) الحالي، على «تثبيت» قدميه كمهرجان رئيسي في مصر والمنطقة العربية، وهو تحدٍّ يعرف القاصي قبل الداني مدى صعوبته لأسباب عدة. بعد دورتين اعتمدتا بشكل أساسي على الإبهار بإمكانيات مادية لم يسبق لها مثيل في مصر، وجوائز مالية كبيرة، وحضور كثيف لنجوم عرب وعالميين، ودعوة أفلام حاصلة على جوائز المهرجانات الكبرى، وعروض «أولى»، و«منصّة» تهدف إلى دعم مشاريع الشباب الجديدة، إبداعيّاً ومالياً، عبر ورش تطوير ومنح إنتاج… يتّجه المهرجان في دورته الثالثة إلى التقليل من الاعتماد على النجوم سواء المصريين أو الأجانب وخفض النفقات قليلاً، مع التوسع أكثر في الاعتماد على الشركاء والرعاة، والتركيز على المنصة والبرامج والأفلام. تفتتح دورة هذا العام بالفيلم الأميركي Ad Astra للمخرج جيمس غراي الذي يلعب بطولته براد بيت، وهو ينتمي لنوعية أفلام الخيال العلمي ولكن ضمن قالب إنساني وفني. ويعرض المهرجان هذا العام مجموعة من الأفلام المتميّزة الحاصلة على جوائز في «كان» و«برلين» و«البندقية» و«كارلو فيفاري» و«صندانس» وغيرها. من هذه الأفلام «طفيلي» للكوري الجنوبي بونغ جون هو الحائز السعفة الذهبيّة في «كان»، و«البؤساء» للادج لي، و«باكوروا» الفائزان مناصفة بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في «كان»، و«ألم ومجد» آخر أفلام الإسباني ألمودوفار، و«بيرانا» للإيطالي كلاوديو جيوفانيزي الفائز بالدب الفضي في «مهرجان برلين السينمائي». وكالعادة أيضاً، يعطي «الجونة» مساحة كبيرة للسينما العربية في مختلف برامجه الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، حيث ينفرد ببعض العروض الأولى مثل فيلم «1982» للمخرج اللبناني وليد مونس (حصد جائزة شبكة الترويج لسينما آسيا والمحيط الهادئ NETPAC في «مهرجان تورونتو») و«أرواح صغيرة» للأردنيّة دينا ناصر، و«آدم» للمخرجة مريم توراني، و«الفارس والأميرة»، للمخرجين بشير الديك وإبراهيم موسى، وهو فيلم تحريك طويل، من أوائل الأفلام العربية التي تنتمي إلى هذا النوع. يمتدّ الحضور العربي إلى لجان التحكيم المختلفة التي يشارك فيها سينمائيون معروفون مثل منى زكي من مصر وصبا مبارك من الأردن وهادي زكاك من لبنان وأحمد المعنوني من المغرب، ورشيد مشهراوي وعلي سليمان وكامل الباشا من فلسطين. تتوزّع لجان التحكيم على ثلاث مسابقات رئيسية للأفلام الروائية الطويلة، والوثائقية والقصيرة، بالإضافة إلى جائزة «أفضل فيلم إنساني» في أقسام المسابقات الثلاث التي يشارك فيها 80 فيلماً، ويزيد مجموع الجوائز عن 200 ألف دولار أميركي. كذلك، يكرم المهرجان في دورته الثالثة اسمين عربيين شهيرين: الممثل المصري محمد هنيدي والمخرجة الفلسطينية مي المصري، ولعلك قد لاحظت بالفعل الحضور الفلسطيني المكثّف في هذه الدورة! يعتمد المهرجان كما ذكرنا سابقاً على «منصة الجونة» لدعوة عدد كبير من شباب السينمائيين العرب الذين يتنافسون للحصول على دعم لمشاريعهم القادمة، كما يعتمد على عدد من الورش والمحاضرات لجذب محبي السينما للحضور إلى الجونة خصيصاً لمتابعة المهرجان، بالإضافة إلى طلبة الجامعة الألمانية في الجونة، التي تعدّ مقراً رئيسياً لفاعليات المهرجان وعروضه، بجانب العدد الكبير الذي تتم دعوته من صحافيين وإعلاميين وفنانين ومسؤولين.
التقليل من الاعتماد على النجوم سواء المصريين أو الأجانب

أما مشكلة المهرجان الأساسية، فتكمن في قلّة عدد الجمهور «العادي» الذي يُقبل على مشاهدة الأفلام. ومع أنّها مشكلة عامة في كلّ المهرجانات المصرية، إلا أنها ملموسة أكثر في الجونة لأنها أشبه بمنتجع مغلق وسط الصحراء، فأقرب مدينة لها هي الغردقة التي تقع على بعد أكثر من ساعة بالسيارة، علماً أن الغردقة نفسها التي تعدّ مدينة سياحية لا تحوي أي دار عرض سينمائية واحدة! ما يزيد من حجم المشكلة أن إدارة المهرجان اختارت توقيتاً لانعقاده بعد نهاية موسم المصايف حتى يمكن استيعاب أعداد الضيوف المدعوين. وبالتالي، فإن أعداد السياح الأجانب والمصريين المقيمين في الجونة في ذلك الوقت يكون منخفضاً للغاية. وقد حاولت إدارة المهرجان التغلّب على هذه المشكلة بزيادة عدد المدعوّين واستقطاب الشباب وطلبة الجامعات، الذين لم يبدأوا عامهم الدراسي بعد، وبترجمة معظم الأفلام إلى اللغة العربية… وربما تنجح في المستقبل في تنظيم رحلات سياحية تكون فيها إمكانيّة مشاهدة الأفلام ضمن برامجها. تتعلّق المشكلة الثانية بالدور الذي يمكن أن يلعبه المهرجان في صناعة السينما العالمية، أو حتى الإقليمية، وهو أحد مقاييس نجاح أي مهرجان دولي، منذ أن تحولت المهرجانات الكبيرة إلى سوق ضخم يستقطب أساطين الصناعة. وهذه المشكلة هي عامّة أيضاً وتنطبق على كلّ المهرجانات العربية، وقد أشار إليها مدير مهرجان «الجونة» العراقي انتشال التميمي في حوار حديث له قال فيه إن من شبه المستحيل أن ينجح المهرجان في تأسيس سوق دولي أو إقليمي طالما أن السينما في كل البلاد العربية لا تزيد مساهمتها في صناعة السينما العالمية عن 1%! مع هذا، فإن الدور الذي يمكن أن يسهم فيه المهرجان بقوّة هو دعم مشاريع الشباب الجديدة عن طريق «المنصة»، وحبذا لو ينجح أيضاً في استقطاب منتجين وممولين عرب معه.