عقاب».
من اللحظات المؤثرة أيضاً الخطاب الذي أرسله من طهران السينمائي الإيراني جعفر بناهي، وقرأته باسمه ابنته التي تسلّمت جائزة أفضل سيناريو بالنيابة عنه. في رسالته المؤثرة، لم يأسف صاحب «الدم والذهب» على بقاء كرسيّه شاغراً في «كان» مجدداً، لأنه لا يزال محظوراً من السفر، بل تحسّر لأن معلمه الراحل عباس كياروستامي، الذي كان يأتي الى بيته خصيصاً، في ختام الدورات السابقة من «كان»، ليتابع معه احتفال توزيع الجوائز، عبر التلفزيون، تخلّف عن الموعد هذه السنة.
جائزتا أفضل ممثلة (الكازاخية سامال يسلاموفا، عن دورها في فيلم «أيكا» لسيرغاي دفورستيفوي) وأفضل ممثل (الإيطالي مارشيللو فوتني، عن دوره في Dogman لماتيو غاروني) كانتا من المحطات الأكثر تميزاً في الاحتفال. فقد كافأتا ممثلين أبعد ما يكونان عن النموذج النمطي لنجوم السينما التجارية. ممثلان مغموران وبسيطان خطفا الأضواء بأدائهما لشخصيتين مسحوقتين ومهمشتين: عاملة تنظيف كازاخية مغتربة في موسكو، ومنظف كلاب مقهور في حي شعبي إيطالي، وكلاهما يعانيان الفقر والعزلة والتعنيف.
بالنسبة إلينا كعرب، تضاف الى كل هذه المحطات المميزة، بالطبع، اللحظة السحرية التي شهدت فوز أول سينمائية عربية بثالثة أهم جوائز المسابقة الرسمية في «كان»، بعد «السعفة الذهبية» و«الجائزة الكبرى»، وهي اللبنانية نادين لبكي التي خطف فيلمها «كفرناحوم» جائزة لجنة التحكيم (راجع المقالة أدناه).
لكن احتفال توزيع الجوائز لم يلبث أن سلك، في جزئه الأخير، منحى خالف كل التوقعات. فقد أجمع النقاد على أنّه لا البولندي باول باوليكوفسكي كان جديراً بجائزة أفضل إخراج، التي منحت له عن فيلمه «حرب باردة»، الذي لم يرق الى مستوى رائعته «أيدا» (أوسكار أفضل فيلم أجنبي – 2015)... ولا الأميركي سبايك لي استحق الجائزة الكبرى، التي منحت له عن فيمله Blackkksman، الذي لم يرق الى مستوى التوقعات التي علقت على عودة صاحب «مالكوم أكس» الى الكروازيت بعد طول غياب.
الإجحاف الأكبر كان من نصيب «في حالة حرب» لستيفان بريزي
أما «السعفة الذهبية» التي منحت الى الياباني هيروكازو كوري إيدا، فقد انقسمت بشأنها الآراء. صحيح أن صاحب «الابن مثل أبيه» (جائزة لحنة التحكيم ـــ كان ـــ 2013) لم يخيّب الآمال بجديده «قضية عائلية»، الذي عاد فيه ليطرق تيمة الطفولة المشردة. تيمته الأثيرة، التي سبق له أن تناولها في رائعته «لا أحد يعلم» (2004)، التي كرسته ضمن كبار صناع الفن السابع. لكن منح «السعفة» لـ«قضية عائلية» أثار موجات من الاستهجان لدى النقاد والجمهور في «كان»، لأن هذا الخيار رافقه إقصاء كامل لأبرز ثلاث روائع عرضت في هذه الدورة، وتجاهلتها لجنة التحكيم.
المعلم التركي نوري بيلج شيلان أبهر الكروازيت مجدداً، رغم أن تحفته «شجرة الإجاص البرية» كانت آخر عرض ضمن فعاليات المهرجان، وبالتالي لم يحظ بالتغطية الإعلامية التي كانت تستحقها. أما الروسي كيريل سيريبرينيكوف، الموجود هو الآخر ـــ على غرار بناهي ـــ في الإقامة الجبرية في بلاده، فقد تصدر الترجيحات النقدية، طوال فترة المهرجان، بفيلمه «صيف». لكنه خرج بدوره خالي الوفاض من الجوائز. لكن الإجحاف الأكبر، في خيارات لجنة التحكيم، كان من نصيب الفيلم الفرنسي «في حالة حرب» لستيفان بريزي، الذي استبعد من الجوائز، رغم أنه ألهب الكروازيت، جمهوراً ونقاداً.
بالرغم من أن «في حال حرب» لم ينل أي جائزة، إلا أن المشهد المؤثر الذي وقف فيه أكثر من 1500 شخص في «صالة لوميير»، أبرز قاعات العرض في «كان»، للتصفيق طوال أكثر من نصف ساعة لبريزي وممثليه، شكل اللحظة السحرية الأبرز في هذه الدورة. لحظة ستبقى، بالتأكيد، راسخة في ذاكرة السينما، وستتذكرها الكروازيت، على مدى عقود، بعد أن يكون الجميع قد نسي بأن هناك فيلماً اسمه «قضية عائلية» فاز بـ«السعفة الذهبية» ذات أيار 2018!