القاهرة | إنه أحد فرسان الشاشة الفضية. أنجز صالح ما يقرب من 32 فيلماً و16 مسلسلاً و5 مسرحيات. كانت له طلة فنية مميزة، روبرت دي نيرو السينما المصرية كما أطلقوا عليه. أسس لمعادلة فريدة تقوم على اتقان مختلف الأدوار مع البساطة في الأداء وعمق النظرة. في فيلمه الأول «جمال عبد الناصر» (1999)، جسد دور رجل المخابرات صلاح نصر.
أداؤه الجاد ونبرة صوته المميزة جعلاه يبهر الجمهور في دور الضابط في فيلم «تيتو» (2004) مع أحمد السقا. شخصية ضابط الشرطة بين العزلة المجتمعية والتوق لإنسانيته المسلوبة بفعل المهنة. ولأنه السوريالي الذي يسير في الطريق المعاكسة لخط السير المجتمعي، فقد تماهى مع نصّ مصطفى ذكرى في فيلم «جنة الشياطين» (1999). شخصيات مشوّهة فاقدة الصلة بالمجتمع، ولا مبالاة تطغى على كل تفاصيل الحياة. كان يجتهد في كل دور ليلتقط شخصية مجتمعية يبرز تفاصيلها بين السلب والإيجاب. «ياللي بتسأل عن الحياة، خدها كدة زي ما هي، فيها ابتسامة وفيها آه، فيها آسية وحنيّة». يرددها محمد منير في فيلم «أحلى الأوقات» (2004). دراما الحياة المصغرّة لعب فيها صالح دور المدرس الكادح الذي يحوله المجتمع إلى مجرد حصالة لجمع النقود. التفاصيل الصغيرة من النظارات ذات اللاصقة البيضاء، و«البلوفر» الفضفاض وتلعثمه الدائم بين كراسات الواجب والتلاميذ.
كلّما غاب صالح، عاد مع حقيبة دي نيرو. في «حرب أطاليا» (2005) كان له دور استثنائي بين خفة الظلّ وزعيم المافيا الذي يتوقف عن الشر. كلمته الشهرية «بكوغتي» في إشارة إلى شخصية بكر، ظلّ الشباب يرددها على المقاهي لفترة طويلة. يتابع صالح عزفه على سيمفونية الحياة في فيلم «ملاكي اسكندرية» (2005)، إنه المحامي الذي يتلاعب بالجميع بدءاً من صديقه بهدف مصلحته الشخصية. كان تستهويه دائماً الأدوار الأقرب إلى الجبروت والدهاء. وفي الفيلم الضخم «عمارة يعقوبيان» الذي ضم كوكبة من النجوم، كان هو مفتاح السر بشخصية البرلماني المحنك الذي يدرك خبايا النظام والثغرات القانونية التي يُمكن من خلالها بلوغ أي شيء، شرط أن تترك مبلغاً محترماً.
ملامحه، وشاربه الحاد، جعلاه نجماً سينمائياً تفوح المصرية من وجهه. «ابن بلد» مثابر يؤمن بما يقدمه ولا يبخل بقدراته الفنية على الجمهور. صالح يفضل تلك المدرسة الواقعية التي تنسلخ منها الشخصيات كنسيج من المجتمع. شخصيات كولاجية بين النّصاب، المحامي، ضابط الشرطة، رجل المخابرات، المدرس، الإعلامي...
تجربته مع يوسف شاهين وخالد يوسف في فيلم «هي فوضى» (2007)، جعلته مادة خصبة للعديد من النقاد. استطاع بمهارة شديدة تجسيد شخصية الشرطي الفاسد بكل تعقيداته ومشاكله المركبة. يكتسب من إهمال المجتمع وتهميشه واحتقاره له طاقة سلبية يوّظفها في جلد كل المساجين والمظلومين. يؤمن أن كل شيء يُمكن أن يتنزع بالقوة والسلطة. لا يولي أي اهتمام للقانون، وعندما يشعر بالرفض من كل الأفراد، يقرر أن يأخذ الفتاة التي أحبها بالقوة، يغتصبها ليثور عليه أهل الحارة. في مشاهد متتابعة شديدة التوتر بين القلق النفسي والشبق الجنسي، حالة من الاحتياج المضطرب نحو الجنس الآخر، مع ظلال مركبّة على خلفيته الثقافية المحدودة وتربيته المقهورة. تلك الشخصية تقرر الانتحار عندما تفقد كل شيء في الحياة وخصوصاً السلطة. شخصية أقرب إلى الدور الذي جسده في فيلم «الريس عمر حرب» (2008) حيث القوة والجاه يفرضان عليه عالماً مليئاً بالقمار والشذوذ والأفكار الشيطانية. يتحكم بكل من حوله، ويفسد عليهم حياتهم. لديه دستوره الخاص الذي يجب على الجميع اتباعه. لكن بعض أدواره لم تخلُ من الذكاء وخفة الظلّ كما فيلمه «فبراير الأسود» (2012).
بجوار النافذة السينمائية، ترك صالح مجموعة كبيرة من المسلسلات والأعمال المسرحية الخالدة، كما حصل على العديد من الجوائز المرموقة وشارك في تأسيس العديد من المراكز الخيرية للأطفال والمرضى المحتاجين.