عن عمر 90 عاماً، غادر السير شون كونري عالمنا، أمس السبت، تاركاً وراءه رصيداً مهنياً كبيراً ومواقف سياسية واضحة تمثّل أبرزها في حبه لمسقط رأسه اسكتلندا وتأييده لاستقلالها.هكذا، أغمض أوّل وأشهر «جيمس بوند» عينيه ورحل. يعتبر الفنان الحاصل على أوسكار والذي أسر الملايين بتأديته شخصية العميل السرّي في الإستخبارات البريطانية، أحد أعظم نجوم السينما في بريطانيا. كما أنّه بفضل 007، اكتسب منذ ستينيات القرن الماضي، شهرةً عالمية وشعبية واسعة وتحوّل إلى رمز للإثارة منذ الشباب وحتى الشيخوخة.
كان أوّل وأشهر من جسّد شخصية «جيمس بوند»
كان كونري اسكتلندياً فخوراً وداعماً مالياً للحزب الوطني الاسكتلندي الذي ينادي باستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، فيما كان أوّل من قال الجملة الشهيرة: «بوند، جيمس بوند». لعب هذا الدور في سبعة أفلام من السلسلة التي ألفها إيان فليمنغ بين عامي 1962 و1983، إذ كان أوّلها «دكتور نو» (إخراج تيرانس يونغ) مصدر شهرته الكبرى. أما الأشرطة الأخرى، فهي: «من روسيا مع الحب» (1963 ــ إخراج تيرانس يونغ)، «غولد فينغر» (1964 ــ إخراج غاي هاميلتون)، «ثاندربول» (1965 ــ (إخراج تيرانس يونغ)، «يو أونلي ليف توايس» (1967 ــ إخراج لويس غيلبرت)، «دايموندز آر فوريفر» (1971 ــ إخراج غاي هاميلتون). فضلاً عن «نيفير ساي نيفر» (1983) للمخرج إيرفين كيرشنر الذي لم إنتاجه ضمن السلسلة.
ولد طوماس شون كونري في 25 آب (أغسطس) 1930 في منطقة فاونتينبريدج المتواضعة في إدنبره لأب سائق شاحنة وأم عاملة في مصنع، وهو الأكبر بين ولدين.
ترك المدرسة في سن الثالثة عشرة وبدأ حياته العملية كبائع حليب قبل الالتحاق بالبحرية الملكية في سن السادسة عشرة. خرج من الخدمة بعد ثلاث سنوات بسبب إصابته بتقرح في المعدة. عاد إلى إدنبره وعمل في البناء وكمنقذ سباحة وملمّع نعوش، من بين أعمال يدوية أخرى.
حقق الشهرة في عالم التمثيل بعد هواية في كمال الأجسام قادته إلى دخول مسابقة ملك جمال الكون.
وخلال المسابقة، حضه أحد المتنافسين على المشاركة في تجارب أداء أدوار، وسرعان ما بدأ في الحصول على أدوار صغيرة، أبرزها في فيلم المخرج لويس ألن Another Time, Another Place في عام 1958.
ساعد تجسيد شون كونري شخصية العميل 007 في حصول الممثل البريطاني على دور البطولة في فيلم «مارني» لألفريد هيتشكوك عام 1964. ولاحقاً، شارك في أفلام من بينها Murder on the Orient Express في 1974 (إخراج سيدني لوميت) وThe Man Who Would Be King في 1975 (إخراج جون هاستون) و«روبين وماريان» (1976 ــ إخراج ريتشارد ليستر) و«هايلاندر» (1986 ــ إخراج راسل مولكاهي) إضافة إلى Indiana Jones and the Last Crusade في 1989 تحت إدارة المخرج ستيفن سبيلبيرغ.
فاز كونري بأوسكار عن فئة أفضل ممثل مساعد عام 1988 بعد تجسيده دور الشرطي «جيم مالون» في فيلم The Untouchables في 1987 للمخرج برايان دي بالما.
في التسعينيات، أنتج شون العديد من الأفلام التي شارك فيها منها The Hunt for Red October في 1990، وRising Sun في 1993، إلى جانب The Rock في 1996 وEntrapment في 1999 مع كاثرين زيتا جونز، قبل أن يُعلن تقاعده قبل 17 عاماً بعد فيلم The League of Extraordinary Gentlemen.
في العام 2000 حاز لقب فارس وسلمته إياه الملكة إليزابيث الثانية في قصر هوليرود بالاس في إدنبره، فيما كان يرتدي الملابس التقليدية لسكان الجبال الاسكتلنديين مع التنورة الشهيرة ذات المربعات.
فاز بجائزة «بافتا» كأفضل ممثل في العام 1988 عن تجسيده دور الراهب الفرنسيسكاني «وليام باسكرفيل» في فيلم The Name of the Rose المقتبس عن رواية تحمل الاسم نفسه لأومبرتو إيكو. كما نال «بافتا» ثانية عن مجمل إنجازاته عام 1998، تكريماً لمساهمته في السينما العالمية.
على الرغم من حبه لاسكتلندا، كان كونري قد اختار وضعاً قانونياً كـ «غير مقيم» لعقود في ماربييا الإسبانية وجزر الباهاماس، وبالتالي لم يعد يحق للممثل المؤيد للحزب الوطني الاسكتلندي بتمويل حزب سياسي. وثار غضبه في العام 2000 عندما فرضت قواعد جديدة يمنع بموجبها غير المقيمين في البلاد من التبرع للأحزاب السياسية البريطانية.
أما على الصعيد الشخصي، فقد جاء زواج كونري من زوجته الثانية، الممثلة الفرنسية ميشلين روكبرون، عام 1975 بعد وقت قصير من طلاقه من الممثلة الأسترالية ديان سيلينتو التي أنجب منها جايسون عام 1963. لكن رغم أنه نفى مزاعم سيلينتو بأنه كان يضربها، أثار جدلاً بعد تأكيده أنّه من المبرر في ظروف معيّنة أن يصفع الرجل زوجته!
وفور الإعلان عن نبأ رحيله، تداعى عدد كبير من المشاهير إلى نعيه على مواقع التواصل الاجتماعي. رئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا ستيرجن، قالت إن شون كونري «كان أسطورة عالمية، لكن أوّلا وقبل كل شيء كان اسكتلندياً وطنياً وفخوراً...».
من ناحيتهما، لفت منتجا أفلام «جيمس بوند»، مايكل جي. ويلسون وباربرا بروكولي، إلى أنّه «كان وسيظلّ يُذكر دائماً على أنه جيمس بوند الأصلي الذي بدأ دخوله الذي لا يُمحى في تاريخ السينما عندما أعلن تلك الكلمات التي لا تُنسى: الإسم بوند... جيمس بوند».
أما الممثل الأسترالي هيو جاكمان، فشدد على أنّه نشأ «على الولع بشون كونري. أسطورة على الشاشة وخارجها. أرقد في سلام».