بالإضافة إلى حرصه الدائم على التعامل مع أبرز النجوم المكرّسين في الأعمال الدرامية التي ينتجها سنوياً، لا يوفّر «مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني» فرصة من دون أن يستغلها في إطلاق مواهب جديدة ورفد هذه الصناعة بالمزيد من الأسماء المبدعة. ولعلّ ابتعاد هذه المؤسسة عن حسابات الربح والخسارة التقليدية التي تحكم عادةً عمل شركات الإنتاج، يعزّز جرأته في هذا المجال. فالمركز الذي يحمل منذ تأسيسه رسالة المقاومة محاولاً إنتاج فنّ يليق بحمل اسمها ويكون على صورتها، بالإضافة إلى نشر التوعية والثقافة عبر انتاجاته المتنوعة (دراما، سينما، دبلجة، وثائقيات وغيرها..) لن ينوء بحمل برسالة إضافية هي خلق أجيال جديدة من المبدعين الحقيقيين، ومساعدة هؤلاء في وضع أقدامهم على أوّل الطريق. يمكن الحديث هنا عن نماذج كثيرة، ولكن قد تكفي الإشارة إلى مهدي فخر الدين الذي عرفه المشاهد للمرّة الأولى من خلال بطولة «ملح التراب» إلى جانب حسّان مراد وكارول عبود (كتابة جبران ضاهر وإخراج أياد نحاس/ 2014،)، وطوني عيسى الذي كانت انطلاقته الحقيقية من خلال دور المقاوم «علي بلال»، وهي الشخصية الرئيسية في «الغالبون1» (كتابة فتح الله عمر وإخراج باسل الخطيب / 2011).
وإذا كان التعامل مع الشخصيات الدرامية صغيرة السنّ في الدراما العربية يتسم بالخفة في حالات كثيرة، عبر تحويل هذه الأدوار إلى «جوائز ترضية» وإسنادها إلى أبناء بعض أفراد فريق العمل من دون أي اعتبار لتوافر الموهبة من عدمها، فإنّ «مركز بيروت» يتفوّق في هذه النقطة أيضاً من خلال اللجوء إلى الكاستينغ مع الصغار كما الكبار، وجعل الموهبة هي الفيصل الوحيد في إسناد الدور إلى أحدهم من عدمه.
هذا الموسم، يقدّم المركز عدداً من المواهب الشاية في مسلسله الجديد «مرايا الزمن» (كتابة فتح الله عمر، وإخراج محمد ياسين وقاف) والذي يحمل بُعداً تربوياً اجتماعياً، ويتضمّن العديد من الرسائل التوعوية، إذ يسلّط الضوء على إساءة استخدام مواقع التواصل الإجتماعي، وآفة المخدّرات، وهو بعيد عن قصص المقاومة التي سبق وعرضتها قناة «المنار». فالحكاية تدور حول تاجر الأخشاب «راغب» (مازن معضم) الذي يواجه مشكلات متلاحقة تبدأ باحتراق مستودع الأخشاب الذي يملكه وابن عمه «حسام» (مهدي فخر الدين) أثناء وجود الأخير داخله، واتهامه بالتسبّب بالحريق، ولا تنتهي بمقاطع مصوّرة تُنشر تباعاً على وسائل التواصل وتظهر فيها امرأة مجهولة تتناول كلّ مرة واحداً من أفراد عائلته ملحقة به اتهامات شنيعة، من دون أن يُعرف المسؤول عن إعداد هذه المقاطع ونشرها.
ومن أبرز الوجوه المشاركة في العمل الفنان الكبير أحمد الزين الذي يطلّ بدور «أبو قاسم تاريخ»، وهو حلاق ثرثار يزعم معرفته تاريخ عائلات البلدة التي تدور فيها الأحداث، وتبعاً لذلك يُزيّف هذا التاريخ نزولاً عند رغبة من يدفع أكثر. بالإضافة إلى حسن فرحات الذي يتفوق على نفسه مجدّداً في دور «هيثم»، البطل السلبي الذي تجمعه مواجهة مستمرة مع «راغب».
وتبدو الإضافة النوعية في العمل من خلال شخصيتَي ولدَي «هيثم»: «عادل» (أياد نور الدين/ 19 عاماً) الذي يكاد يكون صورةً عن والده بطمعه وانتهازيّته التي تفاجئ الأب نفسه قبل الآخرين، و«ربيع» (علي قعيق/ 11 عاماً) المحبّ الودود الذي ربّاه «راغب» فجعله على صورته إلى الحد الذي يعيش معه الصبي مشاعر متناقضة وصراعاً نفسيّاً لا يحتمله من كان في مثل سنّه، إزاء المواجهة المحتدمة بين والدَيه الحقيقي والروحي.
ولعلّ «مرايا الزمن» هي التجربة الدرامية الأولى بهذا الحجم لنور الدين الذي يعتبَر من أبرز المواهب الصاعدة في مجال الكوميديا، حيث سبق له أن شارك قبل سنوات في حلقات تمثيلية عرضتها قناة «طه» للأطفال، بالإضافة إلى فيديوات ساخرة يقوم بإنجازها بنفسه ونشرها على صفحته على فايسبوك التي تحمل اسم «كراكيب»، بالإضافة إلى حسابه الشخصي على الموقع الأزرق، وتحصد نسبة تفاعل عالية إذ يعوّض ضآلة الإنتاج فيها بظرفه المحبب وخفة ظله التي تظهر حتى في حديثه العادي عن بداياته مع التمثيل: «أول مرة مثلت كان عمري 8 سنين، ما كان إلها خلق مديرة الديكور تعمل شجرة فلبسوني حشيش وأعطوني دور الشجرة بالمسرحية. ضليت واقف 40 دقيقة من دون ما اتحرك. ومن وقتها اكتشفت موهبتي!».
أما علي قعيق، فهو يؤدّي ببراعة لافتة دور «ربيع»، الطفل المرهف شديد التعلق بـ «راغب» الذي يحنو عليه وتتدفق مشاعره الأبويَّة تجاهه لحرمانه وزوجته «منى» (بولين حداد)، وهو يخوض تجربته الأولى على الشاشة الصغيرة بعد مشاركته في مسرحيات مدرسية عدة، نالت جوائز على صعيد لبنان منها «الخير والشرّ» و«محكمة الأمور المستعجلة» (إخراج محمد خميس).
ويعود إبراز المواهب الشابة ومنجها الفرصة إلى رغبة مشتركة لدى مدير المركز أحمد حوماني والمسؤول عن الكاستينغ سليم الحسين ومخرج العمل محمد وقاف. علماً بأنّ المخرج اللبناني شادي زيدان سيكون حاضراً خلف الكاميرا إلى جانب وقاف.
وبالإضافة إلى الأسماء التي سبق ذكرها، تشارك في العمل المنتظَر عرضه على «المنار» في شهر الصوم نخبة من الوجوه اللبنانية البارزة على الشاشة الصغيرة، منهم: آن ماري سلامة، نيكولا مزهر، بولين حدّاد، جوي الهاني، جان قسيس، نعمة بدوي، كارول عبود، سارة قصير، عدي رعد، سهير ناصر الدين، حسن حمدان، محمد شمص، هند خضرة، سالي بسمة، علي سعد، مارسيل جبور، ربيع الحاج، فاتن الطويل، جمال حمدان وغيرهم.