لا يمكن إرضاء الجمهور بأي شكل. إن علت الأصوات التي تشيد بمناقب أي فنان رحل لتوّه، تدخّل أصحاب الشأن العارفون في كلّ شيء، وقالوا: كرّموا الناس قبل رحيلهم! وإن كُرّموا وهم على قيد الحياة، جوبه التكريم بعتابات وملامات على شاكلة: لماذا تأخرتم حتى اليوم؟!على أي حال، وضع الفايسبوك، في سوريا تحديداً، المثقّف والمطلّع في خانة واحدة مع الجاهل والتجميعي والساذج الذي يمكن أن يقع وهو يلقي خطابات عصماء في أخطاء إملائية مخجلة.
أمس الثلاثاء، تسيّد المغني السوري ذياب مشهور (1946) المشهد الافتراضي، عشيّة تكريمه من قبل وزارة الثقافة في دار الأوبرا في دمشق، ضمن احتفالية مخصصة لعدد من المبدعين السوريين. التقطت الكاميرات صوراً عدّة لـ «المطرب الفراتي» وهو يبكي بحرقة وتأثّر بالغَيْن. إذ لم يتمكّن المغني المعتزل منذ تسعينيات القرن الماضي من الصعود على خشبة المسرح بسبب وضعه الصحي، فقُدّم له الدرع التكريمي على كرسيّه ليقابل ذلك بدموع، وسط تعاطف الجمهور الواضح من حوله.
الصورة فتحت باب النيران على كلّ الجهات المعنية كونها تأخرت في تكريم الرجل، رغم أنّه أطّل عبر أثير إذاعة «شام إف إم» ليشرح أنّه سبق أن كرّم مراراً، لكن من عادته التأثر والبكاء في المواقف العاطفية، وهو ما حصل معه عند التكريم. مع ذلك، ظلّت الصور قيد التداول، خصوصاً أنّ هناك عدداً كبيراً من معجبيه الذين استثمروا الفرصة للتذكير بتاريخه وأهميته في إحياء التراث السوري، لاسيّما في منطقته وخاصة الجزيرة.
وُلد مشهود في قربة «الموحسن» في محافظة دير الزور، الملقبة بـ «موسكو الصغرى» بسبب نسبة التحصيل العلمي العالية لأبنائها. تعرّف الرجل إلى موسيقي كفيف اسمه يوسف جاسم، فعلّمه المقامات ودرّسه الموسيقى، ووضعه على السكة الصحيحة، ليقدّم أغنيات يردّدها السوريون حتى اليوم في أفراحهم، منها: «يابو رديّن»، و«نمنم خانوم». وكان لأعمال الثنائي الشهير دريد لحام ونهاد قلعي دور في إطلاق شهرته كونه كان يحضر في تلك المسلسلات بشخصيته الحقيقية كمطرب ويقدّم أغنياته.