بحسب كبار المنظّرين في الفن، يجب أن يكون الممثل البارع عبارة عن ماكينة أداء! يتعلّم «ميكانيكية الجسم» انطلاقاً من بديهية أن يكون سليم الجسم، ومرتاح الأعصاب، وضرورة التمتّع بمزاج عال. كلّ ذلك كتوطئة للجوهر العميق المتمثّل في موهبة الأداء، المدعّمة بالقدرة على التذوّق الموسيقي، والرشاقة المتكئة على اللياقة البدنية، والحيوية الداخلية، والمهارة في الابتكار، وسرعة البديهة التي تخّول بشكل إيحائي على اجتراح الحلول، والارتجال حتى أمام الكاميرا أو على الخشبة، عندماّ يتطلب الأمر، لكن وفق ضبط يحتاج عدم الإفراط في المبالغة، والإلمام الكامل بالمعارف التي يقتضيها الفن. ما سبق يبدو طوباوياً إذا ما قيس على عدد كبير من العاملين في الدراما السورية اليوم. فالتلفزيون فعلياً لا يكفي لنقول عن ممثلّ إنه حرّيف. يحتاج اختبارات أكثر جديّة على المسرح، وأمام كاميرا السينما! في الموسم الرمضاني الأخير، حقق مسلسل «مسافة أمان» (تأليف إيمان السعيد وإخراج الليث حجو) حضوراً متبايناً مالت فيه الكفة نحو اعتبار العمل متقناً، يقدّم قضايا شائكة جداً، ويتوغل في قاع المجتمع المترنّح تحت ضربات الحرب، وربمّا كان مشهداً واحداً منه كفيلاً بلفت النظر لممثلة شابة اسمها ولاء عزّام تبدو كمن وضعت قدمها على سكة الاحتراف. في واحدة من حلقات العمل الاجتماعي، تضطرّ الشخصية التي تلعبها هيا مرعشلي أن تمدّ يدها على محفظة زميلتها في المدرسة. هنا تلمحها زميلتها المحافظة (تؤدي دورها ولاء عزّام) على المرآة بعد أن تنهي صلاتها، فتتجاهلها كأن شيئاً لم يكن وتترك بسلوكها الاحترازي فضولاً جامحاً عند السارقة، لنرى لاحقاً مشهداً «ماستراً» تواجه فيه هيا مرعشلي رفيقتها، وتسألها عن سبب صمتها بعدما عكست المرآة جريمتها أمام عينيها وهي تنهي صلاتها! فتثبّت عزّام عينيها، بعيني صاحبة الخطيئة، وتقول بجوّانية موغلة في الثقة «مونولوجاً» طويلاً لم تستخدم فيه سوى وجهها. غيّب الجلباب الطويل، والحجاب مفاتيح الأداء، أي أعضاء الجسد التي يفترض دورانها مثل آلة في إحالة إلى قاعدة البيوميكانيك لمايرهود. مع ذلك، أنجزت العينان المدركتان وعضلات الوجه ما كان يمكن أن تساعد فيه مطارح إضافية غيّبها اللباس الإسلامي! السوية الأدائية الرفيعة عند عزّام بهذا الدور جعلتنا ننتبه إلى مجموعة ظهورات تلفزيونية في تجارب لم يتح لها حصد النجاح مثل «دنيا2» (كتابة أمل عرفة وزهير قنوع وإخراج كنان صيدناوي) و «باب الحارة9» (كتابة سليمان عبد العزيز وإخراج ناجي طعمة وإشراف بسّام الملّا) و «غرابيب سود» (تأليف لين فارس وعبد الله العتيبي وإخراج حسام الرنتيسي و عادل أديب وحسين شوكت) و «بقعة ضوء 12» (مجموعة كتاب وإخراج سيف الشيخ نجيب. لكّن الانطلاقة الاحترافية بدأت بعد تخرّجها من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق من خلال عرض مسرحي بعنوان «دائرة الطباشير القوقازية» (عن نص لبرتولت بريشت إعداد إخراج أيمن زيدان) إضافة إلى حضور سينمائي في «رجل وثلاثة أيّام» (لجود سعيد) بمعنى أن الممثلة الشابة مرّت على مختبرات عدّة، بدءاً من دراسة أكاديمية، وصولاً إلى شغل مسرحي، وآخر سينمائي، ومجموعة تجارب تلفزيونية آخرها على الأقل يبشّر بولادة نجمة من المستوى اللائق!