كان يمكن محاكمة «ع راس اللايحة» (كتابة كلود صليبا، وإخراج نبيل لبّس، وإنتاج قناة «الجديد») على أنَّه فيلم تسجيليّ يهدف إلى التوعية حول حقوق المرأة ودورها المفترض في الحياة البرلمانيّة في ظلّ القانون الإنتخابيّ الجديد، لولا أنَّها قُدِّمَت إلى المشاهد بوصفها «دراما تلفزيونيَّة». نقول هذا لأنَّ العمل الذي يبدو للوهلة الأولى كمشروع تخرّج، يغلب عليه الإفراط في القول على حساب الحركة، وفي الشعارات على حساب الأحداث، إلى جانب العقَد القليلة وغير المحكمة بحيث يستطيع المشاهد حلها بنفسه، والأحداث المقروءة كلها سلفاً بما فيها النهاية.
ورغم أنَّه أُنجِزَ في الأساس على عجل ليواكب الاستحقاق الانتخابيّ، إلا أنَّه كان يمكنه الخروج بحلة أفضل لو صنع في الأساس كسهرة تلفزيونيَّة، لا كثلاثيَّة دراميَّة مدَّتها ثلاث ساعات يجري اجتزاؤها و«منتجتها» وحذف بعض المشاهد منها لاحقاً.
الحكاية تدور حول جمال مراد (برناديت حديب) الناشطة الإجتماعيَّة التي تقرّر فجأة الترشح للإنتخابات النيابيَّة، لتواجه معارضة شديدة من الجميع بمن فيهم عائلة زوجها وأفراد من عائلتها، وتحفظاً من زوجها (مجدي مشموشي)، وحرباً شعواء يشنها عليها الشيخ منذر الصايغ (عفيف شيا) الذي ترشحت في مواجهته، تصل إلى حدود تدبير حادث سير كاد يودي بحياتها، ولكنها تنجح ــ رغم ذلك كله ــ في الفوز أخيراً. وبما أنّ هذه الامور تحصل عادة في بلادنا قبل أي استحقاق انتخابيّ، وللخروج من معضلة تصنيف العمل، كان يمكن وضعه ضمن خانة «الدوكودراما» (إعادة تمثيل أحداث حقيقيَّة) لولا تفصيل بسيط: «تمكين المرأة» ليس هو محور الخلاف بين السلطة والمعارضة في هذه البلاد، هذا إذا كان يمكن الحديث عن سلطة ومعارضة بالمعنى الحرفيّ عندنا أصلاً. والمرأة حاضرة في معظم اللوائح المتنافسة، بغضّ النظر عن كون حضورها فعل إيمان هنا أو لأغراض التزيين هناك، فلا يمكن لأحد الإطلاع على النوايا ليتسنى له محاكمتها.
ثمَّ انَّ الصورة المفرطة في المثاليَّة التي تقدّمها ليا الكاتبة كلود صليبا لا تتفق كثيراً مع تلك التي يحتفظ بها الوجدان الشعبي للناشطات، فقد أفرزت الأزمة السّوريَّة والنزوح المصاحِب لها كمَّاً كبيراً من الناشطين والناشطات الراغبين إمَّا بتحقيق الربح الماديّ السَّريع أو الشهرة، أو الإثنين معاً، وفق صفقة غير معلنة، مربحة للطرفين، بين معظم هؤلاء، وبين الدول المانحة والمنظمات غير الحكوميَّة، تقوم على الاستثمار في البؤس والازمات الإجتماعيَّة.
وإذا كان صناع العمل يحاولون تقديم «جمال» كبديل طبيعي للنموذج القائم حاليَّاً في السياسة والحكم، فإنَّهم يقعون في خطأ حين تجيب الأخيرة عن سؤال لابنها حول دور النوَّاب، ذاكرةً «تزبيط الطرقات» ضمن مجموعة مهمَّات أخرى يجمع بينها الواقع المكرَّس لنائب الخدمات! وهو الواقع الذي يلعنه الجميع ويعلنون رفضهم له يوميَّاً وفي مقدّمتهم النوَّاب أنفسهم، فإذا بالناشطة «الثورويَّة» تأتي لتكرسه وتتبناه. «تزبيط طرقات»؟! هل هذا هو التغيير المنشود فعلاً؟ وماذا عن التشريع؟
يبقى أنَّ ما ميَّز «ع راس اللايحة" هو أداء بعض المشاركين فيه، وفي طليعتهم برناديت حديب التي استندت إلى موهبتها الكبيرة وخبرتها الطويلة والتشابه الواضح بين شخصية «جمال مراد» وبين شخصيّتها الحقيقيَّة ومواقفها المعلنة، وكذلك عفيف شيا الذي قدّم شخصية الزعيم التقليديّ باحتراف بالغ، ومجدي مشموشي في دور الزوج، وعدي رعد في دور الشقيق هادي، كما شارك في العمل كلّ من: آمال عفيش، روزي الخولي، فيصل الأسطواني، ومابيل سويد.
إلا أن رسالة «عَ راس اللايحة» المحقة، وأداء الممثلين المُرضي لا يفترض أن يكونا حاجزاً أمام وصول هذه الخلاصة إلى صنّاعه: ما هكذا يكون «تمكين المرأة» ودعمها، وما هكذا «تورَد» الدراما!


* ستعرض قناة «الجديد» السبت المقبل سهرة تلفزيونية مشابهة تحت عنوان «وإذا كان مرا» (كتابة شكري أنيس فاخوري وإخراج كارولين ميلان) ومن بطولة رولا حمادة وعمّار شلق.