لربما كانت ناظلي الرواس (الصورة) واحدةً من أكثر من ظلمت على الشاشة السورية. الممثلة الموهوبة و«متعددة الأفق» يحار المخرجون في كيفية وضعها والتعامل معها، لذلك كان ذلك واحداً من أسباب تعرّضها لهذا الظلم. لسنا هنا نتحدث عن ظلم عدم اختيارها للتمثيل في كثير من الأعمال المعروفة، بل الظلم في عدم اختيارها لبطولة أيٍ من تلك الأعمال. أي بلغة أكثر مباشرة: في عدم اختيارها بطلةً واحدةً/ مطلقة لعملٍ بعيداً عن البطولات المتعددة (كما في «قلم حمرة» أو «جلسات نسائية» أو «غداً نلتقي»).
في المعتاد لا تمتلك الدراما السورية نظام البطولة المطلقة التي تكرّس البطلة الواحدة الوحيدة كما في المسلسلات المصرية عادةً، لكنها تمتلك نوعاً من «التمييز» لبطلة أكثر من غيرها. بمعنى أكثر دقة: ليس هناك في الدراما السورية فكرة «السنيدة»، أي الممثلة «الثانية» التي تدعم مسيرة البطلة الرئيسية خلال العمل. لكن مع هذا، فإنّ بعض الممثلات يظلمن في حصر الدور لحركتهن سواء الإدائية أو الجسدية. تظلم ناظلي في هذا الإطار بشكلٍ كبير. أدت الرواس في «غداً نلتقي» شخصية خلود الزوجة التي تعاني من علاقة كره/ حبّ مع جميع من حولها: زوجها (فادي صبيح) ولاحقاً عشيقها المريض النفسي (محمد حداقي). إنها تكرههما وتحبّهما في آنٍ معاً. جسدت ناظلي الشخصية بإتقانٍ بارز، ابتعدت عن الكوميديا-الواقعية التي جسّدتها في «قلم حمرة» (بشخصية جودي مثالاً)، أو شخصيتها القوية/ المتفجرة في «بنات العيلة»، أو حتى «سماهر» التي تدير منزلاً للدعارة في مسلسل «زوال». في كل هذا كانت خريجة معهد التمثيل العالي السوري العام 2006 تظهر كم تستطيع أن تعطي.
لكن هل يكفِ هذا كي نقول بأنَها الممثلة تحتاجها الشاشة؟ فلنفصّل أكثر: تأتي ملامح ناظلي الشخصية مليئة بالتحديات، فجمالها من النوع المباشر، أي ليس هادئاً (ككاريس بشار مثلاً) أو بملامح بارزة (كسلافة معمار). هذا النوع من الشكل/ الجمال هو ببساطة الجمال العفوي الذي ترغبه السينما أكثر من غيره. إنه جمال الـevery day girl التي تستطيع التحوّل إلى نجمة في ثوانٍ ضمن منطق أسطورة «ساندريلا». وهذا على الهامش تعبير يستعمل تقنياً في السينما الغربية Cinderellish beauty effect بمفهوم أنَّ هذه الفتاة/الممثلة يمكنها أن تكون أجمل الموجودات والكثير الكثير من الأمور الأخرى. هذا الأمر جعل غالبية المخرجين الكبار يفتشون عن ممثلات من هذا «المعيار» لأفلامهم. هذا بالنسبة لمفهوم الجمال، فماذا عن الاداء؟ يمكن لأيّ متابع لناظلي، إذا ركّز قليلاً الإحساس بمدى قدرتها على اداء المتناقضات. فمن سلمى «العانس» في «جلسات نسائية»، إلى جودي الساخرة في «قلم حمرة» إلى خلود الزوجة المتناقضة... كانت كل هذه الشخصيات توحي بما تستطيعه الممثلة الشابة. إذا لماذا تحتاجها الشاشة؟ تعاني الشاشات العربية حالياً من صنفين من الشخصيات النسائية: إما الممثلة الجميلة للغاية الخالية من الملامح والشخصية، أو تلك التي تمتلك شخصية قوية أكثر من جمالها مما يجعلها مضطرة للقيام بمكياج ثقيل أو عمليات تجميل للوصول إلى الشكل المناسب للشخصية حتى ولو كانت هذه الشخصية لا تحتاج لمكياج كبير. يمكن لناظلي أن تكون الحالة التي تكسر هذا المعتاد، إذ أثبتت في «غداً نلتقي» (وحتى في «قلم حمرة») أنها يمكنها أن تعمل بلا مكياج تقريباً، بنفس الوقت هي – بحسب اطلالتها الإعلامية- يمكنها وضع الماكياج بسهولة بالغة. هنا نحنُ أمام ممثلة تستطيع الأداء، جمالها لا يثقل العمل أو يبطئه، وفوق كل هذا تمتلك مرونة تمكنها من الأداء المتعدد لشخصيات لا مشتركات بينها سوى إداء ناظلي نفسها.
باختصار، تبدو الدراما السورية اليوم في أحوالٍ سيئة، لكن عافيتها تكمن في التفاصيل من قبيل احتضان ناظلي وغيرها.