بصفتها ثالث أكبر مصدّر للفحم الحجري في العالم، تلعب روسيا دوراً كبيراً في هذا السوق. ويُشكّل هذا الأمر مأزقاً لدول أوروبا، التي باتت لا تعرف في أي اتجاه تسير بحثاً عن بدائل الطاقة الروسيّة التي قرّرت أو أُجبرت، على أن تتخلّى عنها. فهي تسعى لاستبدال الغاز الروسي بغاز من مصادر أخرى، لكنها تحتاج إلى وقت طويل لتأمين هذا الأمر، سواء كان ذلك عبر تأمين أنابيب جديدة لنقل الغاز أو عبر إنشاء محطات إعادة تغويز لاستهلاك الغاز المسيّل.

لذا، اتجهت الدول الأوروبيّة لارتجال بدائل سريعة، مثل العودة إلى العمل على الفحم الحجري المضرّ بالبيئة.
لكنّ الحظر الأوروبي للفحم الروسي، الذي أُقرّ في نيسان الماضي وبدأ تطبيقه بشكل كامل في شهر آب، يجعل الأمور أكثر تعقيداً. فرغم أن الفحم الحجري هو أكثر مصادر الطاقة ضرراً للبيئة، إلا أنه يُعدّ أقل مصادر الطاقة كلفة، وهو أحد العوامل التي تجعله بديلاً أكثر جاذبية. لكنّ الحرب الروسيّة الأوكرانيّة كان لها وقعٌ كبير على أسعار الفحم العالميّة، إذ ارتفعت الأسعار في نهاية شباط بشكل كبير لتبلغ 439 دولاراً للطن الواحد، وبعد انخفاض سريع إلى 262 دولاراً، عادت إلى الارتفاع في شهر نيسان عقب إصدار قرار حظر الفحم الروسي لتبلغ أخيراً 370 دولاراً.
قرار الحظر هذا ينعكس على أوروبا بشكل مباشر. فصحيح أنه توجد بدائل للفحم الروسي والاستيراد من أستراليا وكولومبيا وجنوب أفريقيا على سبيل المثال. إلا أن أوروبا ستحظى بمنافسة شديدة من البلدان الأخرى، مثل الهند وكوريا الجنوبية اللتين تستوردان كميات كبيرة من الفحم من خلال اتفاقيات مسبقة مع المصدّرين. كما أن حظر الفحم الروسي من السّوق، يعني أن السوق ستفقد 18% من العرض، وبالتالي سترتفع الأسعار أكثر وأكثر. وهذا ما حدث فعلاً. كذلك أن الفحم الروسي مناسب لأوروبا أكثر من باقي المصادر. أولاً، لأنه يستوفي المعايير الأوروبيّة، إذ إنه أكثر جودة لأنه يحتوي على نسبة أقل من الكبريت. وثانياً، لأن الفحم الروسي متوفّر بأسعار أقل من باقي المصادر.
عودة أوروبا إلى الفحم الحجري لتوليد الطاقة قد تكون لها انعكاسات أخرى أيضاً. فمن الناحية البيئية، هذه الخطوة تُعد تراجعاً إلى الخلف في خطط الحد من الانبعاثات المضرّة بالبيئة التي وضعتها الدّول الأوروبيّة منذ سنوات. فألمانيا تخطّط لتمديد عمر معاملها على الفحم التي تبلغ قدرتها الإنتاجيّة 10 غيغاواط، حتى عام 2024. والنمسا، التي أصبحت «خالية من الفحم» في عام 2021، قررت إعادة تشغيل معامل الطاقة على الفحم في شهر حزيران الماضي. وهذا الأمر له أيضاً انعكاس على الاقتصاد، إذ إن ازدياد نسب التلوّث يعني ازدياد الفاتورة الطبيّة على الاقتصادات الأوروبيّة، بسبب انتشار الأمراض.
هناك مشكلة إضافيّة ظهرت في الأشهر الأخيرة لجهة اعتماد أوروبا على الفحم كبديل. فبحسب منظمة «بوليتيكو»، يصل جزء كبير من الفحم إلى الاتحاد الأوروبي عبر موانئ أمستردام وروتردام وأنتويرب، ويُنقل على طول نهر «الراين» بواسطة المراكب. لكنّ درجات الحرارة المرتفعة هذا الشهر أدت إلى خفض منسوب مياه النهر إلى 65 سنتيمتراً، ما قلّل من كمية البضائع التي يمكن أن تحملها البواخر بمقدار الثلثين.