تُعدّ سوق «الرعاية الرياضية» من أضخم أسواق الإعلانات في العالم. لكرة القدم حصّة وازنة من هذه كعكة النفقات التي تقودها شركات التكنولوجيا والسيارات والمؤسسات المالية. أوروبا هي مركز هذه السوق حيث تُلعب الدوريات الأكثر متابعة، وتتصارع فيها الأندية على لاعبين محترفين يُستقدَمون من دول الجنوب، أو من دول العالم النامي. وفي مركز هذه السوق أيضاً، باتت المراهنات ركيزة أساسية تحتلّ صدارة الرعاية الرسمية للقمصان في أكبر خمسة دوريات لكرة القدم. ويمتدّ هذا التركّز نحو بريطانيا حيث تملك شركات المراهنة عقود الرعاية الرئيسيّة لـ8 من أصل 20 فريقاً في الدوري الإنكليزي الممتاز. لكن كل ذلك آيل نحو التغيّر بسبب ارتقاب صدور قرار يمنع التعامل مع شركات المراهانات في بريطانيا، كما حصل سابقاً في الدوري الإسباني وقبله الإيطالي. لكن يُرجح أن تكون العملات المشفّرة «الكريبتو» هي البديل لشركات المراهنات
بلغت قيمة سوق الرعاية الرياضية في العالم 64.8 مليار دولار. ومنها نحو 30.77 مليار دولار تُضخّ في رعاية كرة القدم الأوروبية التي يتابعها على التلفزيون ما لا يقلّ عن 200 مليون شخص، بالإضافة إلى الحاضرين على أدراج الملاعب. من يضخّ كل هذه الأموال؟ ولماذا؟ الإجابة تكمن في الآتي: شركات المراهنات تستحوذ على الحصّة الكبرى من عقود الرعاية وهي تحتلّ الصدارة في الدوريات الخمسة الأوروبية. بهذا المعنى، فإن كرة القدم، لم تعد لعبة رياضية، بل أصبحت سوقاً تجارية مفتوحة تنتشر فيها شركات المراهنات المثيرة للجدل، إذ أنفقت أكثر من نصف مليار دولار على رعاية كرة القدم الإنكليزية في الموسم الماضي محقّقة عائدات للأندية بقيمة 143 مليون دولار.

نوغات ــ لبنان

وفق تقرير أعدّه موقع (SportingPedia)، فإن من بين 98 فريقاً في أكبر خمسة دوريات أوروبية، تتصدر شركات المراهنات لائحة الرعاة بنسبة 11.2%، تليها شركات التداول والسيارات والمأكولات والمشروبات وقطاعات أخرى بنسب أقل. لكن من بين الدوريات الخمسة، لا توجد حصّة لشركات المراهنات أكبر من تلك في الدوري الأنكليزي. فبحسب التقرير، تُعد حصة شركات المراهنات من رعاة قمصان الأندية في الدوري الإنكليزي الممتاز، الأعلى بنسبة 40%، ما يعادل 8 أندية من أصل 20 تضع شعارات شركات المراهنات على واجهة القمصان.
لا شيء يُمكنه أن يكبح شهيّة شركات المراهنات لجني الأرباح الطائلة على حساب خسائر المراهنين. تدرك هذه الشركات أن الأمر يتطلب استغلالاً واسعاً للحالات النفسية والإدمان والانتحار، أو حتى للتلاعب بنتائج المباريات الرياضية. فهل يمكن كبح جماح هذه الشركات من خلال منع الأندية من تقديم عقود الرعاية لشركات المراهنات؟ هذا بالفعل ما توصّل إليها القسم المعنيّ بالرقمية والثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان البريطاني، إذ أجرى تعديلات على قانون (ميثاق) المراهنات الذي يعود إلى عام 2005، تمنع مثل هذه العقود. هناك جرى التعامل مع هذه الظاهرة، تماماً كما تعاملت الكثير من الدول مع تسويق منتجات التدخين. اعتُبر الأمر بمثابة آفة مضرّة بالمجتمع، إنما في الوقت نفسه جرى التعامل معها باعتبارها سوقاً يجب الحفاظ عليها، بصمت. رغم ذلك، لم تنشر الحكومة البريطانية نتائج التعديل بعدُ رغم الاحتجاجات التي طالبت بالوقف الفوري لجميع إعلانات المراهنات على قمصان أندية كرة القدم في بريطانيا.

انقر على الصورة لتكبيرها



وفي ظل ترقب الأندية للقرار الذي سيصدر عن الحكومة، يرجّح أن تتوقف الأندية في الدوري الإنكليزي عن التعامل مع شركات المراهنات بصفتهم رعاة رسميين للقمصان ابتداءً من الموسم المقبل (2023-2024)، تحاشياً لتكرار ما حدث في الدوري الإسباني حين خسرت الفرق أكثر من 80 مليون يورو إثر إصدار قرار من الحكومة بحظر إعلانات شركات المراهنات، وقبله في إيطاليا عام 2019، حين صدر قرار عن الحكومة يمنع إعلانات شركات المراهنات في كل الرياضات بأي شكل من الأشكال. علماً أن الفجوة التي قد يَخلقها قرار كهذا في الدوري الإنكليزي، تُقدّر بأكثر من 40 مليون دولار بحسب أرقام العقود المتوافرة لهذا الموسم.
إذاً، من سيستحوذ على أكبر إنفاق إعلاني في كرة القدم؟ البديل المتوقّع، هو شركات العملات المشفّرة «الكريبتو». فهي، بحسب وكالة «بلومبرغ»، أنفقت في آخر عام ونصف عام، أكثر من 2.4 مليار دولار على الإعلانات الرياضية. «بينانس» مثلاً، وأضخم منصّة تداول رقمية في العالم، حصلت على عقد شراكة راعياً رسمياً لكأس الأمم الأفريقية في عام 2021. كذلك منصّة «تيزوس» (Tezos) التي وقّعت عقد شراكة متعددة السنوات بقيمة 27 مليون دولار سنوياً مع نادي «مانشستر يونايتد». وأيضاً منصة «OKX» عقدت صفقة مع «مانشستر سيتي» بما يفوق الـ20 مليون دولار سنوياً بحسب مجلة «فوربس».
أنفقت شركات الكريبتو في آخر عام ونصف عام أكثر من 2.4 مليار دولار على الإعلانات الرياضية


طبعاً ستأتي عقود رعاية «الكريبتو» في عالم كرة القدم، مع مخاطر مرتفعة وتقلبات في الأسعار ضمن هوامش واسعة وحادة في كثير من الأحيان. وقد اختبر الأمر فريق «إنتر ميلان» الإيطالي عندما وقّع عقد رعايةٍ مع منصة الكريبتو «DigitalBits» بقيمة 100 مليون دولار لأربع سنوات، راعياً رسمياً يضع النادي شعاره على واجهة القميص. لكنّ الشركة تخلّفت عن الدفعة الأولى الملزمة بها بحسب العقد، ما دفع النادي إلى التفكير في حجب اسم الشركة عن قمصانه. ورغم أن المنصة لم تُصرح عن سبب تخلفها عن الدفع، لكن المرجّح أن يكون نتيجةً للأزمة التي طرأت على أسواق المال العالمية ودفعت الكريبتو نحو انخفاض حاد وسريع عُرف بـ«شتاء الكريبتو».



الإثراء «المشروع»
بحسب تقرير لوزارة الصحة العامة البريطانية لعام 2021، سُجّلت 409 حالات انتحار بسبب الإدمان على المراهنات في السنة المذكورة. أحد هؤلاء الضحايا، هو لويس كيوغ (34 عاماً)، انتحر عام 2013 تاركاً رسالة في غرفته مفادها أنه يحتاج إلى الراحة، وأن الإدمان قاسٍ وشديد. ويصبح المشهد أقسى عندما يتبيّن أن المديرة التنفيذية لشركة المراهنات «bet365»، دينيس كوتس تحتلّ المركز الأول على لائحة أغنى امرأة في بريطانيا.