للبنان يد عليا في ما يخصّ تصدير الغاز نسبة إلى باقي دول المنطقة. فهو ليس مربوطاً بأي مشروع يتعلّق بـ«منتدى غاز شرق المتوسّط» المتألّف من الكيان الإسرائيلي ومصر وقبرص وبعض الدول الأخرى، ولديه فرصة للمشاركة في خلق منتدى للغاز مختلف، إذ لديه أوراق قوّة تخوّله التفاوض على بيع الغاز وحده عبر خط الغاز العربي إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا. لكنّ الأمر يتطلب اتفاقاً مع سوريا لتمرير الغاز عبرها، ومع تركيا أيضاً. نظرياً، يمكن تصدير الغاز بسهولة في مقابل خيارات محدودة عبر «منتدى غاز شرق المتوسّط».
12 سنة من عمر الخطّ
خط الغاز العربي هو أنبوب لنقل الغاز يمتدّ من مصر مروراً بالأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان. المرحلة الأولى من المشروع كانت عبارة عن أنبوب يمتدّ بين منطقة عريش في سيناء إلى العقبة في الأردن. واكتملت هذه الوصلة في عام 2003. لاحقاً انطلقت المرحلة الثانية لتربط بين العقبة والرحاب التي تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود السورية الأردنية، وهي الاخرى اكتملت في عام 2005. أما المرحلة الثالثة فقد ربطت بين الرحاب ومنطقة جابر على الحدود السورية الأردنية من الجهة السورية، ثم وصل الربط إلى حمص واكتمل في عام 2008.


فكرة هذا الخط بدأت بعدما بلغت مصر من القدرة الإنتاجية ما يتيح لها تغطية استهلاكها من الغاز في عام 1999، وذلك بعد أربع سنوات من بداية استخراج الغاز. عندها قرّرت مصر البحث عن أسواق خارجية، فوُلدت فكرة خط الغاز العربي للتصدير إلى الأردن وسوريا ولبنان. لكن بعد سلسلة تفجيرات تعرّض لها هذا الخط، أوقف عن العمل في عام 2012، كما أنه بعد عام 2011 لم تكن مصر قادرة على تغطية استهلاكها الداخلي، أي أنها لم تكن قادرة على التصدير أصلاً. لكنّ الوضع لم يبقَ على حاله بعد اكتشافات الغاز الجديدة في بحر مصر في السنوات الماضية، وهو ما أعاد مصر إلى مسار تصدير الغاز إلى الأردن فقط.

فرصة ثمينة؟
النقطة المهمة في ما يخصّ خطّ الغاز العربي، أن هناك مرحلة خامسة لم تكتمل. ففي عام 2008 جرى اتفاق بين الحكومتين السورية والتركية على إنشاء وصلة إضافية تربط حمص بمنطقة كيليس التركية على الحدود التركية-السورية. وكان يفترض أن يرتبط هذا الخط بخط «نابوكو» القادم من بحر قزوين والذي ينقل الغاز من شرق أوروبا إلى غرب أوروبا عبر تركيا. إكمال هذه الوصلة قد لا يحتاج إلى وقت طويل، كما أن كلفته لا تتعدّى 171 مليون دولار. ولو أحسن لبنان استغلال هذا الأمر، عبر اتفاق بينه وبين سوريا وتركيا (مع الأخذ في الحسبان الصعوبات السياسية التي قد تعطّله)، لنقل الغاز من لبنان وسوريا إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، فإنها فرصة ثمينة جداً. لكنّ الأمر يحتاج أيضاً إلى اتفاقات مع الدول الأوروبية بشأن البيع، كما يحتاج إلى حصول هذه الدول على استثناءات من عقوبات قيصر (قانون العقوبات حول التعامل مع سوريا). ويمكن استغلال المأزق الأوروبي الحالي مع روسيا، والرغبة في تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، لتحويلها إلى دفاع ضاغط على الولايات المتحدة الأميركية من أجل منح الأطراف المعنية استثناءات من عقوبات قيصر على نقل الغاز عبر سوريا.

محدودية خيارات «منتدى المتوسط»
في المقابل «منتدى غاز شرق المتوسّط» لا يملك الكثير من الخيارات. فالخيار المطروح لديه هو إنشاء خط شرق المتوسط، الذي يمتد في البحر من مصر مروراً بالمياه الفلسطينيّة والمياه القبرصيّة وصولاً إلى اليونان. هذا الخيار يدفع في اتجاهه الكيان الإسرائيلي. إلا أن احتمالات تحقّقه صعبة كثيراً، لأنه صعب التنفيذ. وهذا ما يوضحه كلام الإدارة الأميركية على لسان وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، التي أشارت في نيسان الماضي إلى أن هذا المشروع غير مجدٍ اقتصادياً «لأن الخط طويل جداً، ويمرّ في أماكن عميقة في البحر المتوسط، وسيستغرق بناؤه نحو 10 سنوات». هذا الأمر يجعل احتمالات حصول المشروع منخفضة. لذا، يبقى لهذه الدول خيار بيع الغاز إلى أوروبا عن طريق تسييله وإرساله بالبواخر. حالياً لدى مصر معملا تسييل للغاز، بقدرة إنتاج 17 مليار متر مكعّب في السنة. لكنّ هذا الخيار ليس حلاً نهائياً لأن عملية التسييل وإعادة التغويز هي عملية مكلفة، ما يجعله خياراً غير محبّذ لدى الأوروبيين. لذا، يفضّل الأوروبيون إمدادات الغاز عن طريق الأنابيب، لأنه يمثّل خياراً أقل كلفة.
إكمال وصل خط الغاز العربي بتركيا قد لا يحتاج إلى وقت طويل وكلفته لا تتجاوز 171 مليون دولار


الحديث عن أوروبا باعتبارها السوق الأفضل لمنتجي الغاز الجدد في المنطقة يعود إلى سببين؛ الأوّل هو أن دول أوروبا هي من أكبر مستهلكي الغاز في العالم، وقد انتقلت القارّة جزئياً من الوقود الأحفوري إلى الغاز في العقود الماضية بسبب أهدافها البيئيّة. كما أنها دول تستهلك الغاز في التدفئة والصناعات، ولديها الموارد الكافية لاستهلاك كميات كبيرة من هذه السلعة. أما السبب الثاني فهو أنه في الوضع الراهن، تحاول أوروبا بكل ما أتيح لها أن تجد مصادر جديدة للغاز تنوّع من خلالها استيراد الغاز إليها، وتخفّف من اعتمادها على روسيا. هذا الهدف قديم نسبياً، لكنه الآن أصبح هدفاً ملحّاً أكثر من أي وقت مضى، بعد الحرب الروسيّة الأوكرانيّة التي دفعت الدّول الأوروبيّة لفرض العقوبات على روسيا. إلا أن أوروبا لم تستطع أن تطبّق العقوبات على قطاع الغاز بالتحديد لأنها تعتمد بشكل كبير على روسيا كمصدر أساسي للغاز.