مضى على أزمة لبنان أكثر من سنتين ونصف سنة إذا اعتبرنا أن الأزمة انفجرت في الربع الأخير من 2019، وليس قبل ذلك. إدارة الأزمة كانت ممسوكة بقوّة من طرف أساسي هو مصرف لبنان، فيما أمّنت له الحكومة ومجلس النواب التغطية اللازمة لمواصلة إدارة الأزمة بلا تخطيط مدروس ولا رقابة ولا مساءلة. ورغم أن الحكومة تحاورت في مرحلتين مع صندوق النقد الدولي الذي كان يناصب العداء لمصرف لبنان، إلا أنها لم تواجه جدياً سلوك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وسياساته النقدية التي عاثت في الاقتصاد تدميراً. فمن نتائج هذه الإدارة، كما بات معروفاً، تعدّد في أسعار الصرف أدّى إلى تدهور في قيمة الليرة، توازياً مع تضخّم متسارع على وقع ضخّ كبير في كمية الكتلة النقدية المتداولة بالليرة. كلما كان هناك ليرات متاحة أكثر في السوق، زادت القدرة على المضاربة، وارتفعت هوامش تسارع التضخّم. في النتيجة، تكبّد المجتمع خسائر بالغة؛ من أبرزها تضخم متراكم بنسبة 800%، وخسائر ضخمة في القوى العاملة. ففي التقرير الصادر أخيراً عن إدارة الإحصاء المركزي بعنوان «المؤشرات الرئيسة لمسح القوى العاملة 2022»، جاءت النتائج على النحو الآتي:انخفض معدل مشاركة القوى العاملة (معدل التشغيل) من 48.8% إلى 43.4%.
- انخفض معدل العمل نسبة إلى عدد السكان من 43.3% إلى 30.6%.
- ارتفع معدل البطالة العام في لبنان من 11.6% إلى 29.6%.
- ارتفع معدل البطالة لدى الشباب من 23.3% إلى 47.8%.
- ارتفع معدل المقياس المركّب لقصور الاستغلال الناقص للعمل من 16.2% في عامَي 2018-2019 إلى 50.1% في عام 2022. (يضم: 1- فئة العاطلين من العمل، أي الأفراد المتاحين للعمل حالياً والمستعدّين للعمل حالياً وقاموا بالبحث عن عمل خلال الأسابيع الأربعة الماضية؛ 2- فئة القوى العاملة المحتملة، أي الأفراد الذين يبحثون عن عمل ولكن ليسوا متاحين حالياً، أو المستعدين للعمل حالياً، لكنهم لم يقوموا بالبحث عن عمل خلال الأسابيع الأربعة الماضية؛ 3- فئة العمالة الناقصة لجهة الوقت، أي الأفراد الذين يعملون أقل من 40 ساعة في الأسبوع، وأرادوا خلال الأسبوع المرجعي للمسح العمل لساعات إضافية لو أتيح لهم ذلك). وهذا المقياس يعني أن نصف القوى العاملة الموسّعة بحاجة إلى إيجاد فرص عمل. والقوى العاملة الموسعة هي القوى العاملة مضافاً إليها القوى العاملة المحتملة.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

لا تحتاج قراءة هذه الأرقام إلى تحليل وتفسير، بل هي تأتي في إطار النتائج الكارثية التي خلّفتها الأزمة في نموذج للعمل كان قبل الأزمة قاصراً بشكل حادّ عن خلق فرص عمل كافية، وحتى فرص العمل التي كان يخلقها كانت ذات قيمة متدنّية نسبياً. فالأزمة زادت هوّة العورات في بنية هذا النظام، إذ أشارت إلى أن 29% من العاطلين من العمل كانوا يبحثون عن وظيفة منذ سنتين أو أكثر، أي أنهم عاطلون من العمل منذ فترة طويلة، و19.2% من العاطلين من العمل كانوا يبحثون عن عمل خلال فترة تمتدّ بين سنة وسنتين، أما 48.8% فهم عاطلون من العمل بشكل مزمن.
لكن ليست البطالة هي وحدها من سمات الاقتصاد المنهار، فرغم أن تضخّم الأسعار التراكمي بلغ نحو 800% خلال الفترة الممتدة بين مطلع 2019 ومطلع 2022، فإن الأجر الوسطي للعاملين لم يزد إلا بنسبة ضئيلة. كان معدل الأجر الوسطي في فترة 2018-2019 نحو 1.179 مليون ليرة، وبلغ اليوم نحو 2.284 مليون ليرة، أي بزيادة نسبتها 94% فقط، أي أن التصحيح لم يتجاوز أكثر من 11% من الأجر الوسطي.
بالتوازي مع ذلك، انخفض معدل الإنتاجية، سواء بعد إلغاء عدد من ساعات العمل في القطاع العام أو بسبب التعطيل اللاحق الناجم عن الأزمة في القطاع الخاص. كان متوسط ساعات العمل الفعلية يبلغ 46.6 ساعة أسبوعياً، لكنه انخفض إلى 41 ساعة أسبوعياً. في المقابل، زاد العمل في القطاع غير النظامي، أي المؤسسات التي لا تصرّح عن عمالها للمؤسسات الرسمية. فالوظائف في القطاع غير المنظّم ارتفعت من 35.1% إلى 45.8%، والوظائف غير المصرّح عنها ارتفعت من 55% إلى 62.4%.
القطاع الذي خسر أكبر نسبة من الوظائف هو قطاع الأعمال المنزليّة (الذي يشمل العاملات المنزليات، الطهاة، عمال البساتين، البوابون وغيرها من الأعمال). ويبقى قطاع البيع بالجملة والتجزئة مستحوذاً على أكبر حصّة من الوظائف، رغم التراجع الذي أصابها بسبب الأزمة. وبسبب انخفاض معدلات القوى العاملة ومعدل المشاركة، ارتفعت حصّة الوظائف العامّة من إجمالي الوظائف.
مناطقياً، حصدت محافظة بعلبك - الهرمل أعلى نسبة بطالة بين المحافظات. معدلات البطالة العامة ارتفعت إلى 41% في 2022 بعدما كانت 11% في 2019. الأمر نفسه تكرّر جنوباً مع ارتفاع البطالة العامة إلى 36.5% بعدما كانت 12.3%. في البقاع والشمال، بلغت معدلات البطالة العامة 35.2% و32.3% توالياً، ما يشير إلى مدى سوء الأوضاع في الأطراف.