تُشير مذكّرة الحكومة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية، أي الورقة التي عرضها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على مجلس الوزراء بوصفها مسودّة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلى أنّ «المنعطف الحالي يتطلّب حزمة تدابير صارمة تتميّز بالتسلسل الجيّد بغية استقرار الاقتصاد وإرساء أسس النمو القوي والمتوازن. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية صمّمنا برنامجاً اقتصادياً طموحاً». كذلك تُضيف أنه يجب «إيجاد نظام مصرفي يتوافق مع اقتصاد قوي وقادر على دعم تعافي الاقتصاد الوطني». أمّا البرنامج الاقتصادي الطموح فهو يهدف إلى: تعزيز النمو، خلق الوظائف، خفض معدلات الفقر، تحسين مستوى المعيشة، توفير الخدمات الأساسية للسكان في الصحة والتعليم والطاقة.وردت كلمة اقتصاد في هذه المذكّرة عشرات المرّات، لكن ما أشارت إليه بوضوح هو توزيع الخسائر محاسبياً، وإغلاق بعض الثغرات التي نفدت منها هذه الخسائر، سواء في البنية التشريعية أو الإدارية أو المالية والنقدية. إذ ليس في هذه المذكّرة ما يُشير إلى أنّ ما ستقوم به الحكومة من أجل تعزيز النموّ، وأي فئات وقطاعات ستكون مستهدفة، بل من الواضح أنّ الهدف الأساسي لهذه الخطّة أن يُعاد إنتاج النظام المصرفي كقاطرة أساسية لنموّ الاقتصاد. وهذا يعني بشكل واضح، أن النموّ المستهدف، لن يكون مختلفاً عن شاكلة النموّ الذي شهده لبنان في العقود الأخيرة، أي تركّز في قطاعات الخدمات، وتحديداً الخدمات المالية. إذاً، هل تسعى الحكومة، بمساعدة صندوق النقد، إلى إعادة إنتاج النموذج الاقتصادي نفسه بعد تنقيته من شوائب الفساد المحلّي؟ أي هل السعي هو أن يكون نموذج لبنان الاقتصادي بعد كلّ هذا الانهيار بضخامته وتبعاته، هو نموذج الأسواق المالية التي تستعبد المجتمع من أجل تركيز الثروة بيد القلّة؟ أليس هذا ما عانى منه لبنان وإن كانت وسائل الوصول إليه بيد الساسة المحليّين مختلفة عن وسائل صندوق النقد؟
عملياً، هذه الخطة تركّز على أمرين: توزيع الخسائر، وزيادة الضرائب. التوزيع كما هو مقترح وفق التراتبية التي اتّفق عليها مع صندوق النقد الدولي والتي تبدأ أولاً بشطب رساميل المصارف، ثم سندات الدين، وأخيراً الودائع يعكس نوعاً ما، عملية واقعية في تسوية الخسائر. ورغم توزّع المعترضين على هذه التوزيعة بين المطالبين بالحفاظ على بعض من رساميل المصارف، وبين الذين يطالبون باسترجاع الودائع، فإنّ كلا الأمرين يُعد بمثابة عملية شبه مستحيلة، لأنّ أي تسديد لطرف سيكون على حساب الآخرين كلّهم؛ بقاء رساميل المصارف هو بمثابة مكافأة غير مستحقة لفئة قليلة حقّقت أكثر من 23 مليار دولار أرباحاً بين عامَي 1993 و2019، وهذه المكافأة تأتي على حساب المودعين والمجتمع. أمّا تسديد الودائع، فهو أمر غير ممكن إلا بالودائع الجديدة الوافدة بعد التصحيح أي من ودائع أخرى، أو من خلال طباعة الأموال وتحميل الخسائر للمجتمع عبر التضخّم.
يكفي أن نتذكر أنّ صندوق النقد نادراً ما ينتقد النظام المصرفي في أي بلد


المسألة الثانية، أي زيادة الضرائب، هي الأمر الذي يجب التنبّه له. لكنّ اتساع الكذب وتبنّيه بين مجموعات المعترضين على الخطّة، سواء لجهة استعادة الودائع أو معارضة شطب رساميل المصارف، طغى على كلّ الحديث بشأن الزيادات الضريبية. مروّجو صندوق النقد الدولي من جهات سياسية ومدنية وخبراء وإعلاميون لا هدف لهم سوى التسويق الشخصي، بينما يدافع مساهمو المصارف عن حصّتهم من سرقة المال العام والخاص على مدى عقود. هذا ما هو طاغٍ على النقاش العام بشأن الخطّة في ظل تغييب عن جهل أو عن قصد لمسألة النقاش الاقتصادي لما بعد توزيع الخسائر.
«الأخبار» استطلعت عدداً من الخبراء بشأن هذه الخطّة المسماة «اقتصادية» الذين تعاملوا بحذر مع الورقة المنشورة بعنوان «مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية» باعتبارها ليست خطّة كافية أو جديّة للاستجابة لمتطلبات الخروج من الأزمة، بالإضافة إلى التشكيك في القدرة على تطبيقها.

روي بدارو: عُرضت علينا الخطة لنكون شهود زور


البرنامج الاقتصادي الذي أنجزته الحكومة مع صندوق النقد غير كاف. ففي ظلّ غياب بيئة سياسية حاضنة ورؤية اقتصادية واضحة لمستقبل لبنان ما من خطة يمكن أن تنجح، أياً كانت. لديّ شكوك حول قابلية تطبيق هذا البرنامج سواء من الناحية التشريعية عبر إقرار القوانين المطلوبة أو تنفيذياً من خلال المراسيم التطبيقية اللازمة، أو لجهة الممارسة.
لديّ ملاحظات عدة حول الخطّة شكلاً ومضموناً. فمن حيث الشكل، حين دعانا نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ليعرض علينا الخطة، فوجئنا بمعاملتنا كشهود زور. فالخطة عرضت بسرعة فائقة عبر الـ Power Point ولم تُرسل لنا مسبقاً للاطلاع عليها ومناقشتها بشكل جدي. خطّة كهذه يتعلّق بها مصير وطن، يُفترض أن تخضع لنقاش وطني وأن تشمل أوسع مروحة من الآراء، وألا تُدار بعقلية فرض الرأي.
أضف إلى ذلك أنّ الخطة يغيب عنها البعد الاجتماعي، وفي غياب هذا البُعد لا يمكن لأي خطة أن تنجح. في حوار متلفز تحدث مروان مخايل، كبير المستشارين في مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء عن أربعة Stakeholders أو أصحاب مصالح وهم الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، لكنه نسي الطرف الخامس والأهم وهم «غير المودعين» أي باقي البلد. وحين نريد أن نبني اقتصاداً علينا أن نشعر مع الشعب وألا نتسبّب في تصحّر ديموغرافي. نظرتهم للبعد الاجتماعي في الخطّة تتركّز على المساعدات. لكن المساعدات يجب أن تكون ظرفية. الشعب لا يريد عطاءات ولا شحادة. يجب توفير العمل للشعب. وأنا أعتبر أنه يجب أن يكون هناك نموّ اقتصادي من رقمين، أي بنسبة 10% وما فوق، لمدّة عامين أو ثلاثة، وأشكّ في ظل الوضع السياسي القائم والأشخاص المعنيين أن يكون البرنامج المطروح قادراً على خلق نمو كهذا.

إيلي يشوعي: مطلوب خطة جديدة


يتحدثون عن خطّة تعافي. الله لا يعافيهم. ما هذه الخطّة التي تشطب بشحطة قلم 60 مليار دولار من الودائع. هل بحثوا في كيفية استرداد الأموال المنهوبة ومحاسبة من نهبوها أولاً؟
مطالب الصندوق واضحة وهي تتمحور دوماً حول إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني. وهذه مسألة دقيقة جداً وحساسة وعالية التقنية، وتفترض وجود حكومة اختصاصيين من أصحاب الخبرات في المجالات الاقتصادية والمالية. فعلياً الخطة المطروحة كما هي، لا تُفيد بشيء على الإطلاق، حتى لو شُكّلت حكومة مؤلفة من اختصاصيين. يجب إعادة درس الخطة من الأساس وأن يُعمل على خطة جديدة.
تتحدث الخطة عن إصلاح ضريبي على سبيل المثال. والضريبة لها فلسفة أساسية وهي وسيلة للعدالة الاجتماعية ولتضييق الفروقات الاجتماعية بين المواطنين، فيما آخر ما تهدف إليه الضرائب هو تأمين الواردات المالية للدولة، لكن العقلية التي تُدار بها الأمور، تركّز على تأمين واردات إضافية للخزينة من دون الأخذ في الاعتبار للأثر المضاعف للضرائب في غياب نمو اقتصادي كاف، إذ إنّ أي زيادة بنسبة 1% على الضرائب ستؤدي إلى تراجع في النمو بنسبة 2% إلى 3%.
يتحدثّون عن إعادة رسملة المصارف، وأن يصبح كبار المودعين من المساهمين في المصارف. هنالك غياب مطلق للفهم لمعنى إعادة الرسملة، التي تعني زيادة رأس المال نقداً وليس عبر قيود دفترية.
أما فيما يختصّ بالكابيتال كنترول، فهو لزوم ما لا يلزم. فهو لا يحمي المودعين ويضع اليد على أموال الصادرات كما أنه يضع عدة قيود على التحويلات الداخلية ويمنع إنشاء حسابات جديدة. إذا أراد شخص أن يخاطر ويؤسّس شركة فكيف يؤسّسها؟ هل نعود لزمن المقايضة؟

جورج قرم: يجب الحذر مع الصندوق

(هيثم الموسوي)

لست معادٍ لتدخّل صندوق النقد لكي نسترجع الحد الأدنى من الثقة بلبنان، لكن شرط أن تعرف السلطات اللبنانية كيف تضبط تدخل صندوق النقد وتحصره بإعادة ترتيب المالية العامة وليس بيع أملاك الدولة وخصخصة المؤسسات العامة. ففي هذا الإطار يجب أن تبقى الأعين سهرانة حول العلاقة مع صندوق النقد، وألا نطمئن كثيراً. يكفي أن نتذكر أنّ صندوق النقد نادراً ما ينتقد النظام المصرفي في أي بلد، ولم نسمع منه أو من البنك الدولي أيضاً أي بيانات جديّة تدين ما جرى في لبنان من وضع يد المصارف والمصرف المركزي على ودائع وأرزاق الناس. الأمر نفسه ينطبق على الفرنسيّين والشخصيات الفرنسية المكلّفة بالملف اللبناني التي ظلّت صامتة طوال سنوات عن الممارسات القائمة. فمن اللافت تجاهل مؤسسات غير صندوق النقد. لماذا لم نتواصل مع الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية وصندوق النقد العربي أو البنك الإسلامي للتنمية؟

سمير مقدسي: خطة يشوبها الغموض


البرنامج الاقتصادي الذي أنجزته الحكومة لمناقشته مع صندوق النقد الدولي يتضمن عدّة نواقص وثغرات، وأبرزها أنه لا يحترم مبدأ الالتزام بالديون بالعملة الأجنبية المترتبة على الدولة وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة لدى أي مودعين بالجهاز المصرفي اللبناني حتى بعد إصلاحه.
وبالتالي، يجب أن يكون هنالك جدولة مدروسة للديون وليس إلغاء لها، علماً بأنه من الممكن النظر في فرض ضريبة تصاعدية على الفوائد التي استفاد منها المودعون في الفترة الزمنية بين عامَي 2017 – 2021. أضف إلى ذلك أن الخطّة يشوبها الكثير من الغموض ومن غير الواضح كيف ستلتزم الحكومة بما تعهّدت به في البرنامج.
أي خطة يجب أن تأخذ في الاعتبار الدور المالي والاقتصادي المستقبلي للبنان، ومن هنا ضرورة عدم القضاء على الودائع الصغيرة أو الكبيرة التي تشكل ركيزة أساسية للنهوض الاقتصادي.


72
مليار دولار هي احتياجات إعادة رسملة النظام المصرفي أي ما يزيد عن 300% من تقديرات الناتج المحلّي الإجمالي لعام 2021


60
مليار دولار هي تقديرات حجم رأس المال السلبي المتراكم في ميزانية مصرف لبنان


100 %
هو مستوى الدين العام نسبة إلى الناتج المحلّي الذي تستهدف خطة الحكومة بلوغه بحلول 2026 وصولاً إلى 76% بحلول 2032

أنقر على الرسم البياني لتكبيره