يحتاج إنتاج الشرائح الإلكترونية إلى توفّر مجموعة من الموارد والمنتجات بأنقى شكل ممكن. ولأن لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يكون الأفضل في كل شيء، قام الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بتقسيم هذه الصناعة بشكل يتم تصميمها (رسمها هندسياً) ووضع برمجياتها في أميركا، ثم تُنتج في تايوان (في غالبيتها) عبر استخدام معدات من هولندا وعبر مواد أولية من كل أصقاع العالم.ومع انتشار جائحة كورونا وتعطيلها سلال التوريد والإنتاج حول العالم، ثم الطلب المتزايد على الأجهزة الإلكترونية بسبب إجراءات الحجر والعزل حول العالم، مضافاً إليه التحوّل الكبير نحو المركبات الكهربائية، وكثرة أجهزة إنترنت الأشياء (Internet of Things IoT)... كل ذلك، جعل المعروض من الشرائح الإلكترونية أقل من متطلّبات السوق. فوق كل ذلك، أتت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لتفاقم أزمة إنتاج وتوريد الشرائح الإلكترونية. ليست العملية العسكرية هي التهديد المباشر، بل الضغوط التي تواجه إمدادات الغاز النادرة والضرورية لعملية إنتاج هذه الشرائح أو الرقائق الإلكترونية. فقد تبيّن أن أوكرانيا تزوّد نحو 50% من غاز النيون المعروض في العالم. هذا الغاز هو منتج ثانوي لصناعة الصلب في روسيا، تتم تنقيته في أوكرانيا إلى نسبة 99.999% ولا غنى عنه في إنتاج الرقائق (يُستخدم مزيج من الغازات التي تحتوي على النيون لتشغيل الليزر لنقش الأنماط في أشباه الموصلات Semiconductors).
ويعاني المصنّعون بالفعل من نقص المكوّنات وتأخّر التسليم وارتفاع أكلاف المواد، إذ تواجه الشركات التي تعتمد على الرقائق، مثل شركات صناعة السيارات، تأخّراً في الإنتاج نتيجة ذلك.
يقول تقرير نشرته «فاينناشيال تايمز»، إنه عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ارتفعت أسعار النيون بنسبة 600% على الأقل. وقالت الشركات إنها تستطيع الاستفادة من الاحتياطات التي تملكها (قال دويتشه بنك في مذكرة بحثية إن مستويات المخزون في الصناعة تدوم عادة نحو ثلاثة إلى أربعة أسابيع). كما أن الاندفاع للعثور على مورّدين ليسوا في أوروبا الشرقية يسبّب نقصاً وارتفاعاً في الأسعار، ليس فقط في النيون وإنما أيضاً في الغازات الصناعية الأخرى مثل الزينون والكريبتون. فمن أوكرانيا أيضاً يأتي 40% من كميات الكريبتون المعروضة في السوق العالمية.
ويُعدّ التحول بعيداً من أوكرانيا أمراً صعباً، لأنه يجب تحسين هذا الغاز إلى درجة نقاء لا يمكن إلا لعدد قليل من الشركات حول العالم القيام بها، بما في ذلك بعض الشركات الموجودة في ميناء أوديسا الأوكراني. لذا، يحذّر محلّلون في «TrendForce»، من أنه حتى لو تأمّنت مصادر بديلة، فإن «شهادة المنتج ستستغرق عدة أشهر أو حتى أكثر من نصف عام»، ما يسبب الـ«ندرة». وحذّروا من أن «صناعة السيارات، التي تتطلب كميات كبيرة من رقائق إدارة الطاقة وأشباه الموصلات، ستواجه موجة جديدة من نقص المواد».
وتجدر الإشارة إلى أن تلك الغازات تُستخدم في صناعة الشرائح الإلكترونية الأكبر حجماً، وهو ما أكده أكيرا ميناميكاوا، من شركة «Omdia» لأبحاث السوق، مصرّحاً لـ«فاينناشيال تايمز»: «ليس جميع المنتجات التي تستخدم الرقائق ستتأثر، لأن أشباه الموصلات الأكثر تطوراً هي الوحيدة التي لا تتطلب النيون في إنتاجها». ما يعني أن الأمر لن يؤثّر على صناعة الهواتف والحواسيب اللوحية.